مقال

الدكروري يكتب عن الوطن ذاكرة الإنسان ” جزء 2″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الوطن ذاكرة الإنسان ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

فالوطن هو مكان الإنسان ومحله، وهو عبارة عن المكان الذي يرتبط به الشعب ارتباطا تاريخيا طويلا، وهو المنطقة التي تولدت فيها الهوية الوطنية للشعب، والوطن الأصلي هو مولد الشخص والبلد الذي هو فيه، وأما عن وطن الإقامة فهو موضع ينوي أن يستقر فيه خمسة عشر يوما أو أكثر من غير أن يتخذه مسكنا، والوطن هو المكان الذي ولد فيه الشخص أو عاش فيه ويكن له إرتباط عاطفي خاص به إذ يشعر بالإنتماء إليه، وقد تبلور مفهوم الوطن الحديث مع مفهوم الوطنية بعد النهوض في وجه الاحتلال، وأول من عبّر عن مفهوم الوطن هم الشعراء المُهجّرون، ويمكن تعريف كلمة الوطن لغة كما أجمع علماء اللغة العربية، وكما عرفها ابن منظور في معجمه لسان الوطن بأنه المنزل الذي يقيم فيه الإنسان، والفعل منها أوطن أي اتخذها محلا ومسكنا يقيم فيه، واسم المكان من الفعل أوطن موطن، وعرّف الزبيدي كلمة الوطن بأنها منزل الإقامة من الإنسان ومحله.

 

 

وجمع كلمة وطن أوطان، وتستخدم كلمة الوطن للتعبير عن أماكن عيش الحيوانات والطيور، فكل كائن حي له موطنه على الأرض، ولكن يبقى الوطن الذي يعيش فيه الإنسان له معنى مختلفا يتميّز عن باقي الأوطان الأخرى، وإن المسلم الحقيقي يكون وفيّا أعظم ما يكون الوفاء لوطنه، محبّا أشد ما يكون الحب له، مستعدا للتضحية دائما في سبيله بنفسه ونفيسة، ورخيصة وغالية، فحبه لوطنه حب طبيعي مفطور عليه، حب أجل وأسمى من أن ترتقي إليه شبهة أو شك، حب تدعو إليه الفطرة، وترحب به العقيدة، وتؤيده السنة، وتجمع عليه خيار الأمة، فيا له من حب، وقد قيل لأعرابي كيف تصنعون في البادية إذا اشتد القيظ حين ينتعل كل شيء ظله؟ فقال الإعرابى يمشي أحدنا ميلا، فيرفض عرقا، ثم ينصب عصاه، ويلقي عليها كساه، ويجلس في فيه يكتال الريح، فكأنه في إيوان كسرى، أي حب هذا وهو يلاقي ما يلاقي، إنه يقول أنا في وطني.

 

وبهذه الحالة ملك مثل كسرى في إيوانه، وإن المواطنة الحقة قيم ومبادئ وإحساس ونصيحة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وعزة وموالاة وتضحية وإيثار والتزام أخلاقي للفرد والأمة، إنها شعور بالشوق إلى الوطن حتى وإن كان لا يعيش الفرد في مرابعه، فإن من مقتضيات الانتماء للوطن هو محبته والافتخار به وصيانته والدفاع عنه والنصيحة له والحرص على سلامته واحترام أفراده، وتقدير علمائه وطاعة ولاة أمره، ومن مقتضيات الوطنية، هو القيام بالواجبات والمسئوليات كل في موضعه مع الأمانة والصدق، وإن من مقتضيات حب الوطن هو احترام نظمه وثقافته والمحافظة على مرافقه وموارد الاقتصاد فيه، والحرص على مكتسباته وعوامل بنائه ورخائه، والحذر من كل ما يؤدي إلى نقصه، وإن الدفاع عن الوطن واجب شرعي، وإن الموت في سبيل ذلك شهامة وشهادة، وفي قصة الملأ من بني إسرائيل بقول الله تعالى فى كتابه الكريم.

 

فى سورة البقرة ” قالوا وما لنا ألا نقاتل فى سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا ” وحتى تتبين مظاهر الوطنية الصادقة ويسقط زيف الشعارات فإن المتأمل في الواقع يميز بين المواطن الصالح الناصح لوطنه وبين الكاذب بالشعارات، فإن لخيانة الوطن مظاهر، وظواهر بعضها مرّ على بلادنا فحسم أمره وكبت شره، وبعضها لم يزل قائما يتشكل ويتلون ويخف ويشتد ويبين ويتوارى، وبعضها يظهر باسم الغيرة على الوطن وفي حقيقته غيرة منه، وإن المسلم الحقيقي يكون وفيّا أعظم ما يكون الوفاء لوطنه، محبّا أشد ما يكون الحب له، مستعدا للتضحية دائما في سبيله بنفسه ونفيسه، ورخيصه وغاليه، فحبه لوطنه حب طبيعي مفطور عليه، حب أجل وأسمى من أن ترتقي إليه شبهة أو شك، حب تدعو إليه الفطرة، وترحب به العقيدة، وتؤيده السنة، وتجمع عليه خيار الأمة، فيجب على كل مسلم أن يحب وطنه، ويتفانى في خدمته، ويضحي للدفاع عنه.

 

فحب الوطن والدفاع عنه لا يحتاج لمساومة ولا يحتاج لمزايدة ولا يحتاج لشعارات رنانة ولا يحتاج لآلاف الكلمات، فإن أفعالنا تشير إلى حبنا، حركاتنا تدل عليه، حروفنا وكلماتنا تنساب إليه، أصواتنا تنطق به، آمالنا تتجه إليه، طموحاتنا ترتبط به، لأجل أرض وأوطان راقت الدماء، لأجل أرض وأوطان تشردت أمم، لأجل أرض وأوطان تحملت الشعوب ألوانا من العذاب، لأجل أن نكون منها وبها ولها، وإليها مطالبون أينما كنا أن نحافظ عليها، فحب الوطن والتضحية من أجله هو واقع يستحق أن نعمل بحب وتفان من أجل المحافظة عليه لأنه أثمن ما في وجودنا وانتمائنا، فالوطن هو التاريخ والحضارة والتراث، وهو الذي سكن جسدنا وروحنا وذاكرتنا، ومن أجله وخاصة في هذه الفترة العصيبة نحتاج إلى العمل من دون مقابل، لأن الوطن فوق كل شيء، وإن حب الوطن هو فطره ربانيه فى الإنسان وإن هذه سنة الله في المخلوقات فقد جعلها الله في فطرة الإنسان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى