مقال

الدكروري يكتب عن عندما خانت هانت 

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن عندما خانت هانت

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

لقد عُني الإسلام بالأخلاق منذ بزوغ فجره وإشراقة شمسه، فالقرآن الكريم في عهديه المكي والمدني على السواء اعتنى اعتناء كامل بجانب الأخلاق، مما جعلها تتبوأ مكانة رفيعة بين تعاليمه وتشريعاته، ولقد جاءت الشريعة الإسلامية لتجعل من المجتمع مجتمعا متماسكا متراصا كالبنيان المرصوص، كما قال النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم” المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين اصابعه ” رواه البخاري، وكما إن الإسلام جاء لحل كل مشكلة، ومحاربة كل جريمة، وجاءت الحدود في هذه الشريعة ردعا لأصحاب النفوس المريضة، وكانت الحدود رحمة من الله تعالى للأمة، وكان القصاص حياة لأولي الألباب، وكان قطع اليد وقاية لأموال الناس، وكان الجلد والرجم حماية لأعراض العالم، وعلى مر الزمان والعصور تحدث الفتن والأزمات ولكن الأزمة الأخطر هي أزمة القيم والأخلاق، والتي تظهر بين الناس في وقت الشدائد والفتن.

 

والصراعات والحروب، فتظهر الشحناء والبغضاء والكراهية، والحسد والتفرق وحب الذات والتي تظل آثارها طويلة في حياة الأفراد والمجتمعات، ونتائجها سيئة، وتحتاج لمعالجتها الجهود الكبيرة بعد توفيق الله ورعايته، وفي الإسلام دعوة للمسلم لاحترامِ أموال الآخرين، وحفظها وصيانتها، وأن هذا من الضروريات التي دعا إليها، فأموال المسلمين يحرم التعدي عليها إتلافا واغتصابا، سرقة وغشا وخيانة، ولأجل هذا حرّمت سرقة أموال المسلمين، وجُعلت السرقة كبيرة من كبائر الذنوب، وجريمة من الجرائم الأخلاقية التي لا يتصف بها ذو دين صحيح، واستقامة على الخير، ومن جملة الظلم أكل أموال الناس بالباطل، والسرقة التي تفشت في المجتمع، وهي سبب لاضطراب المجتمع ولنفي الأمان عنه، وتجعل المجتمع في حالة قلق واضطراب، وربما أن تؤدي جريمة السرقة إلى جريمة سفك الدماء، لأن السارق حين يأخذ هذا المال.

 

فإنه يأخذ ثمرة جهد هذا الإنسان ربما خلال أعوام عديدة تعب فيها لجمع هذا المال، ولتكن أيدينا أمينة، فإن كان أمينة كان ثمينة، وإلا إذا خانت اليد صارت هينة وتقطع، هل تعلم أيها السارق بأنك لو كنت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أو في ظل من يقيم حدود الله عز وجل وسرقت قطعت يدك لتعرف بين الناس بأنك أنت السارق؟ والنبي صلى الله عليه وسلم ما عرف هوادة في مسألة السرقات على الإطلاق، وكلنا يعلم حديث المرأة المخزومية التي سرقت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، فروى الإمام البخاري في صحيحه ان امرأه سرقت فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح ففزع قومها إلى أسامه بن زيد يستشفعونه قال عروه ، فلما كلمه فيها أسامه تلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ” أتكلمنى في حد من حدود الله ” ؟ قال أسامه أستغفر لى يا رسول الله، فلما كان العشى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذى نفس محمد بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يداها ” متفق عليه، والسرقة سبب لانتشار البطالة في المجتمع، فما جاء الإسلام بتحريم السرقة إلا ليجعل من المجتمع مجتمعا آمنا مطمئنا على ثمرة جهده بأنها لن تضيع، جاء الإسلام وحرّم السرقة من أجل أن ينشط الناس للعمل، لأن السارق عندما يعلم بأن السرقة حرام، وأن عاقبتها وخيمة في الدنيا قبل الآخرة، فإنه يتوجه للعمل، ومن توجه للعمل كان منتجا ولم يكن بطالا يعيش على حساب الآخرين، وأن السرقة خلق ذميم، خلق رذيل، خلق يملي أن هذا السارق لا قدر له ولا قيمة، ذلكم أن هذا السارقَ عضو أشل في مجتمعه، فاشل في بلاده لا يعول عليه ولا يطمأن إليه ولا يركن إليه، لماذا؟ لأن هذا شخص مجرم عطل القوى التي منحه الله إياها.

 

فقد منحه الله السمع والبصر والعقل، ويسر له الأمور، لكنه لم يرض بهذا، بل سخر حواسه وقواه في أمور رديئة رذيلة، وإن السارق قد ارتكب خُلقا سيئا، ضعفت نفسه عن القناعة والعمل، ضعفت نفسه عن الإنتاج، ضعفت نفسه عن التنافس في سبل الخير، وإنما لجأ إلى هذه الطرق الملتوية يعرض فيها دينه، ويعرض فيها حياته وسمعته، ويغامر وربما وقع في الفخ فقضي عليه فخسر دنياه وآخرته، وإن نال من السرقة ما نال، فمال الحرام هو سحت وظلم وعدوان، يجعل قلبه دائما يلهث، لا يقنع بالحلال ولا يطمئن إليه، بل لو خير هذا بين كسب الحلال والحرام لكان الحرام عنده أحسن وألذ من الحلال ، لأن فطرته قد انتكست والعياذ بالله، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ” كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ” وسواء كان هذا المال خاصا أو عاما وهو ما يسمى بالمال العام الذي وكل حفظه إلى وليّ الأمر أو غيره.

 

وقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “مَن كسب مالا من حرام فأعتق منه ووصل منه رحمه كان ذلك إصرا عليه” فالمال المسروق مال محرم مسحوق البركة لا ينفع صاحبه، بل يضره، حتى لو أراد فعل الخير به وبناء المساجد، ورعاية الأيتام ، ومن اكتسب مالا من مأثم فوصل به رحمه أو تصدق به أو أنفقه في سبيل الله جمع ذلك كله جميعا فقذف به في جهنم، وإن الإسلام جاء لرعاية الناس ولرعاية المال، ومن هنا يقول الله عز وجل في حدّ السرقة ” والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله” واليد تقطع بجريمة السرقة، مع أن الأصل فيها أنها ثمينة بحيث لو اعتدى إنسان على يد آخر فقطع يده ظلما وعدوانا فإنه يدفع دية اليد المقطوعة خمسين ناقة، وأما إذا سرقت اليد فإنها تقطع بأمر من الله عز وجل بعشرة دراهم، وربما تعجّب البعض إذا قطع إنسان يد إنسان دفع ديتها خمسين ناقة، وإذا سرقت اليد عشرة دراهم قطعت اليد؟ نعم، لأن اليد عندما كانت أمينة كانت ثمينة، وعندما خانت هانت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى