مقال

الدكروي يكتب عن أخلاق الرسول

جريدة الاضواء

الدكروي يكتب عن أخلاق الرسول
بقلم / محمـــد الدكـــروري

لقد نشأ النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يتيما، وماتت أمه وعمره ست سنوات، ثم كفله جده، ثم عمه أبو طالب، عمل في رعي الأغنام، وعُرف بالصادق الأمين ثم في التجارة عند السيدة خديجة بنت خويلد، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يخلو بنفسه في غار حراء في شهر رمضان تاركا كل من حوله مبتعدا عن كل باطل، محاولا التقرب من كل صواب قدر ما استطاع، متفكرا في خلق الله وإبداعه في الكون، وكانت رؤياه واضحة لا لبس فيها، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول “حُبّب إلي من دنياكم الطيب، والنساء، وجُعلت قرة عيني في الصلاة” ولكن ما المراد بحب النساء؟ هو حب إكرام النساء لأن المرأة ضعيفة، فينبغي إكرام هؤلاء، والمعاشرة معهن بالمعروف كما قال الله تعالي في سورة النساء ” وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسي أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا” ومن حُسن العشرة أيضا هو التلطف بالقول.

وعدم رفع الصوت، وعدم الغضب على القليل والكثير، فكان من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يعيب طعاما قط مع أهل بيته، وُضع الطعام، إن اشتهاه أكله، وإن لم يشتهه لم يأكله، هذا من حُسن العشرة، وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجمع نساءه على الطعام، فكان نساء النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، كل واحدة لها بيتها الخاص بها، لكنهن يجتمعن كل ليلة كما ذكر ذلك الإمام أحمد في مسنده، ذكر أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن يجتمعن كل ليلة في بيت من كان النبي في ليلتها إذا كانت الليلة ليلة حفصة يذهب نساء النبي صلى الله عليه وسلم لطعام العشاء في بيت حفصة، حتى إذا طعمن انتشر الجميع، كل واحدة منهن إلى بيتها، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الخلاء، فوضعت له وضوءا، قال “من وضع هذا؟” فأخبر، فقال “اللهم فقهه في الدين”

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصبر على شظف العيش، وعلى خشونة الحياة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم ينام على الحصير حتى أثر الحصير في جسد النبي صلى الله عليه وسلم، ولما دخل عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال يا رسول الله، أنت تنام على الحصير، وكسرى وقيصر ينامان على الحرير؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم “إيه يا ابن الخطاب، لو غيرك قالها لأوجعته ضربا، أما ترضى أن تكون لهم الدنيا، ولنا الآخرة؟” فكانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم حياة بسيطة، حتى قالت بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم “كان يمر علينا الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال ولا يوقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، قال فما كان طعامكم يا خالة؟ قالت الأسودان التمر والماء” فكانت أمهات المؤمنين يصبرن على شظف العيش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد خيّرهن الله، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة.

فينبغي للمرأة المسلمة أن تصبر على حال زوجها من الفقر والعَوز والحاجة، وأن تصبر على شظف العيش كما صبرت أمهات المؤمنين، فإن الله عز وجل ينزل بركات ورحمات على البيوت المؤمنة، وعلى البيوت الصالحة، البيوت التي فيها قيام الليل، البيوت التي فيها أطفال يحفظون القرآن، البيوت التي فيها حلقات العلم، وهذه البيوت تنزل عليها رحمات من الله، تنزل عليها عطاءات من الله، وكذلك أيضا البيوت التي فيها قيام الليل، والبيوت التي فيها صلاة الفجر في جماعة، والبيوت التي فيها أطفال يحفظون القرآن فإنه يتسع البيت على أهله ببركة القرآن، فإنه من حُرم قيام الليل وصلاة الفجر في جماعة، وقراءة القرآن الكريم، وتحفيظ أبنائه القرآن الكريم فوالله قد حُرم الخير كله، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلقا وأكرمهم وأتقاهم فعن أنس رضي الله عنه قال” كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا” رواه الشيخان وأبو داود والترمذي.

وعن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت “ما رأيت أحسن خلقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم” رواه الطبراني، وقال تعالى مادحا وواصفا خُلق نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم ” وإنك لعلي خلق عظيم” وقالت السيدة عائشة لما سئلت رضي الله عنها عن خلق النبي عليه الصلاة والسلام قالت “كان خلقه القرآن” رواه مسلم، فهذه الكلمة العظيمة من السيدة عائشة رضي الله عنها ترشدنا إلى أن أخلاقه عليه الصلاة والسلام هي اتباع القرآن وهي الاستقامة على ما في القرآن من أوامر ونواهي وهي التخلق بالأخلاق التي مدحها القرآن العظيم وأثنى على أهلها والبعد عن كل خلق ذمه القرآن، وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره ومعنى هذا أنه صلى الله عليه وسلم صار امتثال القرآن أمرا ونهيا سجية له وخلقا فمهما أمره القرآن فعله ومهما نهاه عنه تركه، هذا ما جبله الله عليه من الخُلق العظيم من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكل خُلق جميل.

وعن عطاء رضي الله عنه قال قلت لعبد الله بن عمرو أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال أجل والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن ” يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا” رواه البخاري، فاتقوا الله وخذوا بالأسباب التي تحيا بها قلوبكم وتلين، وتجنبوا الأسباب التي بها تقسو وتموت، فإن ذلك هو مناط سعادتكم أو شقائكم، وسلوا مولاكم أن يطهر قلوبكم من الغل والحقد، ومن الكبر والتعاظم على العباد والحسد، فقد قال صلى الله عليه وسلم “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”

وكما قال صلى الله عليه وسلم ” ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم إخلاص العمل لله، ومناصحة مَن ولاه الله أمركم، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم” وقال صلى الله عليه وسلم “لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله، ولا يكذبه ولا يحقره، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى