مقال

الدكروري يكتب عن الإنسان والعقل

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإنسان والعقل

بقلم / محمـــد الدكــروري

 

إن أول مسؤوليات الإنسان هي مسؤوليته عن نفسه، ومن ثم فحري به أن يعنى بتربيتها وإصلاحها، وعندما نتحدث عن التربية الذاتية أو عن دور الشاب في تربية نفسه فإننا نقصد بها ذلك الجهد الذي يبذله الشاب من خلال أعماله الفردية، أو من خلال تفاعله مع برامج عامة وجماعية لتربية نفسه فهي تتمثل في شقين، فالأول هو جهد فردي بحت يبذله الشاب لنفسه، والثاني وهو جهد فردي يبذله من خلال تفاعله مع برامج عامة، وليس يستطيع أن يفعل ذلك إلا إذا كان عاقلا، وإن العقل يختلف من إنسان إلى آخر، فهناك العقل الصريح، والعقل التبريرى، والعقل المرتبط بالأهواء والمصالح، وهذا الجهاز الخطير الذي أودعه الله فينا يجب أن يتوافق مع الشرع مائة بالمائة، ذلك أن الشرع من عند الله، هو النقل، والعقل مقياس أودعه الله فينا، والنقل من عند الله، والفرعان إذا اتحدا في أصل واحد فهما متساويان، وهل يعقل أن يعطنا الله مقياسا لو أعملناه في وحيه، لوجدناه غير صحيح ؟

 

مستحيل، لأن العقل من صنع الله، والنقل وحي الله، إذا لابد من التوافق، لذلك قال بعض أهل العلم، اعلم أن لكل فضيلة أسا، ولكل أدب ينبوعا، وأس الفضائل وينبوع الآداب هو العقل، يعني إنسان مخلوق في دنيا محدودة، أما هو يعد لحياة أبدية، فالعقل يقتضي أن تتنعم في هذه الحياة الدنيا وتخسر الآخرة أم أن تتنعم إلى أبد الآبدين في جنة الله عز وجل، فالعقل يقتضي أن تعمل للآخرة، لذلك العلماء قالوا ما من إنسان يعمل للدنيا وينسى الآخرة إلا وهو في الحقيقة مجنون، ولو كان يحمل أعلى شهادة ، تفوقه العلمي يسمى ذكاء ولا يسمى عقلا، ولكن حينما غفل عن الحقيقة الكبرى في الكون، وغفل عن الآخرة ، وغفل عن سر وجوده إذن هو مجنون والآية الكريمة تقول ” ن والقلم وما يسطرون، ما أنت بنعمة ربك بمجنون” فأنت أعقل العقلاء صلى الله عليه وسلم، لذلك لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم مجنونا في الطريق سأل أصحابه سؤال العارف، من هذا ؟

 

قالوا هذا مجنون، قال لا هذا مبتلى، فالمجنون من عصى الله عز وجل، ويجب أن تؤمن، وأن تعتقد بكل ذرة في كيانك، أن هذا الذي لا يصلي، ولا يتعرف إلى الله تعالى، وهو غارق في المعاصي والآثام مجنون، ولو كان يحمل أعلى شهادة، وأن هذا الذي يغتصب أموال الناس هو يتوهم نفسه شاطرا ذكيا، لا، هو أحمق لأنه سوف يسأل عن كل ذرة، فقال تعالى “فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره” فقيل أن العقل الذي جعله الله للدين أصلا وللدنيا عمادا، إنسان عاقل يعيش حياة هادئة، حياة فيها سلامة، فيها سعادة، أنه أخذ ما له، وترك ما ليس له، تحرك بحجمه، بنى علاقاته بوضوح، فالناس أحبوه وكسب مال حلال، وأسس أسرة، وربا أولاده، وتجد إنسان استعمل عقله في الآخرة فكسبها، واستعمل عقله في الدنيا فربحها، فقيل أنه قد جعله الله تعالى للدين أصلا ولدنيا عمادا، وقد قيل أن العاقل من عقل عن الله أمره ونهيه.

 

وروى لقمان بن أبي عامر عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “يا عويمر ازدد عقلا تزدد من ربك قربا، قلت بأبي أنت وأمي، ومن لي بالعقل ؟ قال اجتنب محارم الله، وأد فرائض الله تكن عاقلا ثم تنفل بصالحات الأعمال تزدد في الدنيا عقلا وتزدد من ربك قربا وبه عزا، واعتبر الإسلام العقل من أولي الأخلاق قبل الدين حتي ذكر الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، إن المكارم أخلاق مطهرة فالعقل أولها والدين ثانيها، والعلم ثالثها والحلم رابعها والجود خامسها والعرف ساديها، والبر سابعها والصبر ثامنها والشكر تاسعها واللين عاشيها، والنفس تعلم أني لا أصدقها ولست أرشد إلا حين أعصيها، والعين تعلم في عيني محدثها من كان من حزبها أو من أعاديها عيناك قد دلتا عيني منك على أشياء لولاهما ما كنت تبديها، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “الأحمق أبغض خلق الله إليه، إذ حرمه أعز الأشياء عليه”

 

فالعاقل يسعد ويُسعد، أما ضعيف العقل يشقى ويُشقي، لذلك أنا أقول ولا أبالغ والله ما من عطاء إلهي يفوق في قيمته عطاء العقل أن يهبك الله عقلا راجحا، يعينك أن تعيش بين الناس، على أن يحبك الناس، ويعني أنت بالعقل والحكمة، تسعد بزوجة من الدرجة الخامسة، ومن دون عقل ولا حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى، فأنت بالعقل والحكمة تعيش بدخل محدود، ومن دون عقل وحكمة تدمر نفسك وأنت بدخل غير محدود، فيقول رسول الله عليه الصلاة والسلام “ما اكتسب رجل مثل فضل عقل يهدي صاحبه إلى هدى ويرده عن ردى وما تم إيمان عبد ولا استقام دينه حتى يكمل عقله” ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أصل الرجل عقله، وحسبه دينه، ومروءته خلقه، وقال بعض الأدباء صديق كل امرئ عقله، وعدوه جهله، وأنا لا أرى عدوا أعدى من الجهل، قد يكون لنا عدو، واليهود لعنهم الله، ولكن أشد عداوة لنا منهم جهلنا.

 

لأن الجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، وإنه من يستجيب لنداء العقل فسعد في الدنيا والآخرة، وهنا رجل من كبار الصحابة، اسمه نعيم بن مسعود وهذا زعيم غطفان وجاء على رأس جيش ليحارب النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في معركة الخندق ، فكانت له قصة رائعة، فكان مستلقيا في خيمته، وهو يحاصر النبي عليه الصلاة والسلام، وقد جرى حوار ذاتي، داخلي، الآن إذا إنسان ركب وسافر وحده، ساكت، هو ليس ساكتا، هناك حوار مع ذاته، وكل واحد منكم إذا ماشي بالطريق وهو صامت، أو جالس ينتظر وهو صامت، لا بد من حوار مع الذات، فهذا الحوار مع الذات مهم جدا، فهذا الصحابي الجليل يخاطب نفسه، فيقول ويحك يا نعيم، أنت عاقل، لماذا جئت تحارب هذا الرجل؟ هل سفك دما، هل انتهك عرضا، هل اغتصب مالا، أيليق بك يا نعيم، أن تحارب رجلا رحيما، فحاور نفسه، وكم إنسان يرتكب أبشع الأغلاط وهو غافل.

 

فقال أيليق بك يا نعيم، وأنت العاقل أن تحارب هذا الرجل، ماذا فعل هذا الرجل ؟ ماذا فعل أصحابه ؟ ومازال يحاور نفسه، ويؤنبها، ويبحث عن الصواب، إلى أن وقف واتجه نحو معسكر النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالنبي فى دهشه، زعيم قبيلة معادية، قال له نعيم ؟ قال يا نعيم ما الذي جاء بك إلينا، قال جئت لأعلن إسلامي، سبحان الله بساعة تفكير، ساعة إعمال عقل، ساعة تأمل ساعة حديث مع الذات، انقلب من رجل مشرك يحارب الله ورسوله، إلى رجل مؤمن، قال له امرني يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعركة على وشك أن ينتهي الإسلام، قال بعض من كان مع النبي صلى الله عليه وسلم أيعدنا صاحبكم أن تفتح علينا بلاد قيصر وكسرى وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته، والله عز وجل قال فى سورة الأحزاب ” هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا”

 

فالإنسان المراقب يوقن أنه بقي للإسلام ساعات، ما اجتمع في الجزيرة عشرة آلاف مقاتل جاءوا ليستأصلوا الإسلام، فقال له امرني، قال له أنت واحد، فقال عليه الصلاة والسلام” خذل عنا ما استطعت” فهذا الرجل الواحد استطاع أن يدخل إلى قريش، وأن يوقع بينها وبين اليهود الذين نقضوا عهدهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، قال اليهود ندموا على نقض عهدهم مع محمد صلى الله عليه وسلم، الآن سيطلبون منكم رهائن كي لا تتخلوا عنهم، وهذه الرهائن سوف يقدمونها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليقتلهم، وقال لقريش كلام معاكس، فقد وقع بين قريش واليهود ما فيه الشقاق، والله عز وجل دعم الموقف لأنه أرسل رياحا عاتية، قلبت قدورهم، وأطفأت نيرانهم، واقتلعت خيامهم، وكفى الله المؤمنين القتال، يعني أيام الإنسان موقف واحد يسعد به إلى أبد الآبدين، مثل هذا الصحابى نعيم وهى لحظة عقل واحدة، نقلته من مشرك مقاتل إلى جهنم إلى مؤمن صحابي جليل، نترضي عنه إلي الآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى