مقال

الدكروري يكتب عن فمن قوي حياؤه صان عرضه

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن فمن قوي حياؤه صان عرضه

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إنه ما عانت المجتمعات من المحن وانتشرت فيها الأزمات وتتابعت عليها الفتن إلا يوم ضاع الحياء، فارتكبت المحرمات وفعلت الرذيلة وأقصيت الفضيلة بدعوى الحضارة والتمدن، وهل ضيعت الصلاة وعطلت أحكام الدين إلا يوم قل الحياء من الله وابتعد الناس عن الدين؟ وهل تساهل الناس بصلاة الجماعة إلا يوم قل الحياء، فقال صلى الله عليه وسلم “من سمع النداء فلم يجبه فلا صلاة له إلا من عذر ” وهل وقع في المعصية ما وقع إلا يوم قل حياؤه من الله فاستهان به سبحانه حتى جعله أهون الناظرين إليه وهل ظهر الاختلاط بين الرجال والنساء، وانتشرت المعاكسات وعم الفساد، إلا حين كسرت المرأة حجابها ودفقت ماء حيائها وضاع من وجهها العفاف وخرجت إلى المنتزهات وتسكعت في الأسواق والطرقات، وأغرت ضعاف النفوس وعديمي الحياء والمروءة وأدمت قلوبهم فوقعوا في الجرائم والفواحش، وهل فقدت الغيرة من الرجال.

 

فسمحوا لنسائهم من مشاهدة الأفلام الماجنة والمسلسلات الخليعة والوقوع في المحرمات من اختلاط بالخدم والباعة والخروج مع السائقين والسفلة إلا حين ضاع منهم الحياء وفشا فيهم ذهاب الغيرة، فالحياء خلق من أخلاق العظماء، وهو خُلق الإسلام الأول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن لكل دين خُلقا، وخُلق الإسلام الحياء” والحياء خُلق يبعث على ترك القبيح، وعدم التقصير في حق الله، ومراقبته، وهو أن تخجل النفس من فعل كل ما يعيبها وينقص من قدرها ومروءتها، وهو من الأخلاق الرفيعة التي أمر بها الإسلام، وأقرها، ورغب فيها، وإذا كان الأمر كذلك وجب على كل مسلم أن يتخلق بهذا الخُلق في سائر حياته، فالحياء في النعمة شكر لله عليها، فاتقوا الله تعالى واشكروه على ما هداكم للإسلام، وجعلكم من أمة خير الأنام، عليه الصلاة والسلام، فقد دلكم على الأخلاق الفاضلة والسجايا الحميدة والصفات النبيلة جاءت تعاليمه وقيمُه.

 

بالأمر في المحافظة على الأخلاق الحسنة في كل أحوال المسلمين صغيرها وكبيرها دقيقها وجليلها أفرادا ومجتمعات وأسرا وجماعات ويكفي للحث على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” رواه البخاري، فإنه جميل أن يرزق المسلم قلبا رقيقا وجلا من ربه عز وجل، يتحسس أخطاءة وتقصيره في جنب الله سبحانه وتعالى ويتأسى على ما فرط منه في سابق أيامه وزمانه فذلك فإن علامة قبول، وأمارة فضل من الله عز وجل فقد أثنى الله سبحانه على من هذا حاله فقال عز وجل في سورة التوبة ” الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين علي ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون” وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال، قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال ” امسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابكي علي خطيئتك” رواه الترمذي، ولكن يمكن أن تنقلب هذه النعمة إلى نقمة أو خطيئة أخرى.

 

إذا لم يراعي العبد أيضا ما أمر الله عز وجل به في حال الخوف وحال الرجاء وحال الطاعة والمعصية أيضا، فإذا تمكن اليأس والقنوط من القلب بسبب شدة الخوف، صار ذلك ذنبا جديدا، وإذا وقع العبد في سوء الظن بالله، أو بدأ يتقاعس عن العبادة والدعاء وانقطع رجاؤه من الله عز وجل، فليتأكد حينئذ أن الشيطان تمكن منه، ودخل إليه من باب جديد، والعاصم من جميع ذلك هو الاستقامة على الحال التي أثنى عليها الله في القرآن الكريم، وهي حال الخوف من الله من غير أن يؤول المقام إلى حد الوسواس أو الإحباط أو الاكتئاب عن كل أمل في حياة سعيدة في الدنيا والآخرة، وهذا فضلا عن أن سعة رحمة الله ولطفه بعباده اقتضت أن لا يحاسب ابن آدم حتى يبلغ سن الاحتلام وهو سن الخامسة عشرة أو هو السن الذي تظهر عليه علامات البلوغ ، من نبوت شعر العانة أو إنزال المني أو الحيض للنساء فكل ما يقع قبل هذا السن لا حساب عليه ولا عذاب.

 

وإنما يؤاخذ به بين الناس تربية وتأديبا حيث قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ” رفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتي يستيقظ وعن الصبي حتي يحتلم وعن المجنون حتي يفيق” رواه أبوداود، ومن الأخلاق الحسنة التي حث عليها المصطفى صلى الله عليه وسلم خلق الحياء فالحياء من الله والحياء من الناس روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” دعه فإن الحياء من الإيمان” متفق عليه وعن عمران ابن حصين رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” الحياء لا يأتي إلا بخير ” متفق عليه، فمن قوي حياؤه صان عرضه ودفن مساوءه ونشر محاسنه وكان ذكره عند الناس محمودا وعند الله مرفوعا، ومن ذهب حياؤه ذهب سروره وظهرت مساوئه ودُفنت محاسنه وكان عند الناس مهانا وعند الله ممقوتا.

 

فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “الحياء والإيمان قرنا جميعا فإذا رفع أحدهما رفع الآخر ” رواه الحاكم، وروى البخاري من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فافعل ما شئت ” وفي رواية “فاصنع ما شئت” وكما يستحي المسلم من الخلق فلا يكشف لهم عورة ولا يقصّر لهم في حق ولا ولا ينكر لهم معرفا فإن عليه أن يستحي من الخالق سبحانه وتعالى فلا يقصّر في طاعته ولا في شكر نعمته لما يرى من قدرة الله عليه وعلمه به فالله أحق أن يستحيا منه، ومن استحيا من الله حق الحياء حفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وذكر الموت والبلى، وترك زينة الحياة الدنيا وشكر نعمة الله عليه وأدرك عظمته واطلاعه عليه وإحاطته بعباده وقربها منهم وعلمه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور، ثم رجع على نفسه فحاسبها على التقصير.

 

فلا يراه الله حيث نهاه ولا يفقده حيث أمره، وصور تكريم الله تعالى للإنسان كثيرة وكثيرة جدا، ومن أراد أن يعرف صور التكريم لهذا الإنسان عليه أن يرجع للقرآن العظيم، ولسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فمن صور تكريم الله تعالى للإنسان، هو خلق الله تعالى الإنسان بيديه وتكريمِ الله تعالى للإنسان، أن الله تعالى نفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وتكريم الله تعالى للإنسان، أن الله تعالى علمه، و تكريم الله تعالى للإنسان، أن الله تعالى خلق له الكون من سماوات وأرض قبل خلقه، ثم جعلها مسخرة له، وتكريم الله تعالى للإنسان، أن جعله الله تعالى خليفة له في الأرض، وتكريم الله تعالى للإنسان، أنه حرم الاعتداء عليه وهو جنين في بطن أمه، وفرض عقوبة على عاقلة القاتل وكفارة عليه، فجعل غرة على عاقلة من قتله، وهي نصف عشر الدية، أي ما يعادل قيمة خمسة جمال، وصيام شهرين كفارة على جنايته.

 

وتكريم الله تعالى للإنسان، أنه حرم على الإنسان أن يقتل نفسه، لأن نفسه ليست ملكا له بل هي ملك لله تعالى، فمن قتل نفسه حرم الله تعالى عليه الجنة، وجعله في نار جهنم خالدا مخلدا فيها، وتكريمِ الله تعالى للإنسان، أنه حرم على الإنسان أن يدعو على نفسه لضر مسه، وتكريم الله تعالى للإنسان، أنه أخر إقامة الحد على جان، رعاية لحق الغير، ولقد أخر النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إقامة الحد على المرأة الغامدية، بعد أن ردها، وذلك رعاية للجنين الذي حملت به من سفاح، فالإسلام يرعى الإنسان ولو كان الحمل من حرام، لأنَه صنعة الله تعالى وخلقه، والإسلام الذي عرف قيمةَ الإنسان، وخاصة إذا لم تقترف يده جريمة، وهذا هو الإسلام الذي قبل التائب فجعله كمن لا ذنب له، حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على من أقام عليها الحد، وتكريم الله تعالى للإنسان، أن أول ما يقضى به بين العباد في الدماء،

 

وأنتم تعلمون أن حقوق العباد مبنية على المشاحة، وحقوق الله تعالى مبنية على المسامحة، فيقول الرسول الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ” أول ما يقضي بين الناس يوم القيامة في الدماء” رواه البخاري ومسلم، ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ” أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة” رواه أحمد، ومما لا شك فيه من ضيع حقوق الله تعالى، فهو لحقوقِ العباد أضيع، ومن يحافظ على حقوقِ العباد، فهو على حقوق الله تعالى أحفظ، فماذا يقول العبد لمولاه يوم القيامة إذا كان مضيعا الصلاة وهي حق الله تعالى، وكانت يده ملطخة بدماء الأبرياء؟ فإذا جمع الله الأولين والآخرين، ووضع الميزان، ونطقت الألسن، وتكلمت الجوارح، ودنت الشمس من الرؤوس بمقدار ميل، وخاض الناس بعرقهم كل على حسب عمله، وجاء المقتول آخذا رأسه بيد، والقاتل بيد أخرى، وهو يقول لربنا عز وجل يا رب سله لما قتلني؟

 

فما أنت قائل لربك يوم القيامة أيها القاتل؟ وأحرص الناس على حياة دون إيمان، يسألون الله الدنيا دون الآخرة، بطرين عند النعم، قنطين عند النقم، يعبدون الله على حرف، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض ولا يصلحون، ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، وعالمهم لا يعمل بعلمه، وجاهلهم يقول على الله بلا علم، ويعبد الله على ضلال ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، ومكروا بهذا الدين مكرا كبارا ، ولا يعرفون للحق إلا العداء، وهم للباطل أعوان وأصدقاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى