مقال

الدكروري يكتب عن أبواب العمل الصالح

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن أبواب العمل الصالح

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن أحد أبواب العمل الصالح هو أن تدخل على أخيك السرور، ما الذي يسره؟ أن تزوره في بيته، أن تلبي دعوته، فيقول عليه الصلاة والسلام “والله لو دعيت إلى كراع بالغميم لأجبت” كأن تدعى إلى مكان بعيد يحتاج إلى ساعة على كوب من الشاي فقط، فالإنسان يعد الخطوات مع اللقمات، العوام يوازنون بين الخطوات واللقمات، لكن المؤمن يعد الأجر, فقد تذهب إلى مكان بعيد، والضيافة متواضعة جدا، والناس الذين دعوك ليس لهم شأن كبير في الدنيا، لذلك أنا أقول تلبية دعوة الأغنياء من الدنيا، تجد الغني إن سافر يهنأ، مرض يعاد، دعا يلبى، الفقير أحيانا يموت ولا أحد ينتبه له، فهذا الذي يعود مريضا فقيرا، يلبي دعوة إنسان فقير، يجبر خاطره، هذه من أعظم المواساة، ليست كل تلبية دعوة من الأعمال الصالحة، هناك تلبية دعوات من الدنيا، لكن أخاك الذي يدعوك، ويقول عليه الصلاة والسلام “والله لو دعيت إلى كراع في الغميم لأجبت”

 

فإن تلبية الدعوة من المواساة، وإن أبواب المواساة لا تعد ولا تحصى، فعن أبى الدرداء رضى الله عنه قال وفاء النبي بمستوى العقل لا يصدق، أنه بعثني الله عز وجل والناس كذبوه، وقال أبو بكر صدق، وواساني بنفسه وماله، وفي رواية فاحفظوا له ذلك “ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر” فإن المظاهر الإسلامية الآن صارخة، لكن ليس هناك حب، قد تجد أخ يموت من الجوع، وأخوه معه الملايين، وهو أخوه النسبي، ليس هناك مواساة، لا مواساة بين الجار وجاره, ولا بين الأخ وأخيه، ولا بين المسلم والمسلم، فقد تجد شخص غني، وغارق في شهواته وفي مصالحه وملذاته، لذلك تخلى الله عن هؤلاء المسلمين، هؤلاء ليسوا مسلمين بالمعنى الدقيق للإسلام، هؤلاء لهم إطار إسلامي فقط، أما الإسلام فشيء آخر، وفي ملمح بالسيرة الطيبة العطره هذه السيدة خديجة رضى الله عنها وكان لم يأتى الوحي بعد.

 

ولم تأتى الرسالة، ولم يأتى التشريع ولم يأتى التوجيه الإلهي إطلاقا، لما جاءه الوحي ورأته قلقا, فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم ” والله لا يخزيك الله أبدا من علمها ذلك؟ الفطرة إنك لتقري الضيف، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الدهر” فإنه مستحيل أن يتخلى الله عز وجل عن إنسان محسن، فإن الله معك، وإذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك؟ هكذا تقول السيدة خديجة رضى الله عنها والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الدهر، وتكسب المعدوم” فإن المسلمين اليوم يتحدثون عن الدين، وعن الأخلاق، وهم ليسوا في هذا المستوى، كمن ينطق بالرقم الكبير ولا يملكه، والمسلمون الأوائل ينطقون بهذا الرقم ويملكونه، لذلك راياتهم رفرفت في الآفاق، أما حال المسلمين الآن فالعقل لا يصدقه، المسلم بلا ثمن، يقتل بلا ثمن، أرضه مستباحة، دياره مستباحة، ثروته مستباحة، كرامته مستباحةز

 

لأن الإسلام عندهم نطق بكلام، وليس فعلا بحال، ويقول عليه الصلاة والسلام “من أقال مسلما أقال الله عثرته” ويقول إبراهيم بن أدهم المواساة من أخلاق المؤمنين، قال بعض الصحابة الكرام كان سيدنا جعفر بن أبى طالب رضى الله عنه أبا المساكين، كان يذهب إلى بيته، فإذا لم يجد لنا شيئا, أخرج لنا عكة أثرها عسل فنشقها ونلعقها، وكان بعض الصحابة إن رأى مسكينا يقول اذهب واقترض على اسمي، فيقترض على اسم هذا المحسن، فعن أبي حمزة الثومالي رحمه الله قال إن علي بن الحسين كان يحمل الخبز في الليل على ظهره, يتبع في المساكين في الظلمة، ويقول إن الصدقة في سواد الليل تطفئ غضب الرب، ومات علي بن الحسين ووجدوا في ظهره أثرا مما كان ينقل الجرب بالليل إلى منازل الأرامل، ومن لم يحمل هم المسلمين لم ينتمى إليهم، فهذا الذي في بحبوحة ويعيش وحده، ولا يعبأ بالناس، ليس من المسلمين، ومن لم يحمل همهم لا ينتمي إليهم.

 

وهذه الرحمة بقدر الإيمان، بقدر ما في قلبك من الرحمة يكون قربك من الله عز وجل، فيقول تعالى فى سورة الزمر ” فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ” فإن المواساة تقوي العلاقات بين المسلمين، فمن فوائد المواساة أنها تورث محبة الله عز وجل، وتورث محبة الخلق، ما قولك أن تجمع بين محبة الله ومحبة الخلق، وتشيع روح الأخوة بين المؤمنين، وتقوي العلاقات بين المسلمين، وتساعد على قضاء حاجات المحتاجين، وسد عوز المعوزين، تدخل السرور على المسلم، وترفع من معنوياته, فيقبل على الحياة مسرورا؟ فالمواساة هي الدين، والحقيقة أن الدين معاملة، والدين بذل، والدين عطاء، إنك في دار عمل والآخرة دار جزاء، إنك في دار تكليف والآخرة دار تشريف، وقد مر النبي عليه الصلاة والسلام مع أصحابه بقبر فقال ” صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفلكم, خير له من كل دنياكم”

 

فننظر إلى من ملك المال والجاه والسلطان فإن ركعتان أو عمل صالح أو عبادة, أو صيام, أو صلاة خير له من كل دنياكم، فكم من البلاد الآن عاقبهم الله جل وعلا بنزع الأمن من بلادهم، فعاش أهلها في خوف وذعر، في قلق واضطراب ليل نهار، لا يهنؤون بطعام، ولا يتلذذون بشراب، ولا يرتاحون بمنام، كل ينتظر حتفه بين لحظة وأخرى، عم بلادهم الفوضى، وانتشر الإجرام، لا ضبط ولا أمن، فكم من البلاد حولكم عاقبهم الله بنزع الأمن والأمان من بلادهم، فعاش أهلها في خوف وذعر، في قلق واضطراب، لا يهنؤون بطعام، ولا يتلذذون بشراب، ولا ينعمون بنوم، الكل ينتظر حتفه بين لحظة وأخرى، فإن مكانة الأمن كبيرة، وكان النبى صلى الله عليه وسلم إذا دخل شهر جديد ورأى هلاله سأل الله أن يجعله شهر أمن وأمان، فيقول “اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى” رواه الترمذي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى