مقال

الدكروري يكتب عن الإنسان المؤمن 

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإنسان المؤمن

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الإنسان المؤمن يغلب أمله يأسه، ذلك أن من لوازم الإيمان القوي بالله وباقي أركان الإيمان هو إنتاج إنسان لا يعرف اليأس والقنوط والإحباط، ولا يشعر بعقدة الإثم بل يحيا بأمل، ويبادر إلى التوبة والعمل، شعاعه، فيقول الله تعالى فى سورة الزمر ” قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم” ذلك أن الإسلام يعتبر اليأس قرين الكفر والضلال، فقال تعالى في قصة نبي الله يعقوب عليه السلام مع يوسف” إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون” وقال تعالى على لسان الخليل إبراهيم عليه السلام فى سورة الحجر ” ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون” وإن الأسر تنقسم إلى ثلاثة أنواع، فالنوع الأول وهى الأسر المنغلقة، وهي التي لا تحبذ التفكير والتجارب والاختلاط، تسير على قواعد متوارثة، والنوع الثاني وهى الأسر الديمقراطية، وهي التي ترحب بالمبادرات الجديدة.

 

وتعطي مساحة لأبنائها في التفكير والتعامل والكثير من الحرية، أما النوع الثالث فهي الأسر المتسيبة، وهي التي تختفي فيها الأدوار، مع عدم وضوح منظومة القيم داخل الأسرة، والقواعد بداخلها متسيبة نوعا ما، وهذه النوعية من الأسر لا تنشئ طفلا إيجابيا، وبالتالي فإن الأسرة هي التي تقود وتشجع الطفل على المبادرة الإيجابية، ورد فعل الأسرة نفسها تجاه مواقف الطفل الإيجابية هي التي تجعله يستمر في هذا المسار الإيجابي طيلة حياته، وإن الطفل الملتزم في المدرسة والمنزل، والذي يقوم بتحقيق تحصيل أكاديمي عالى بالطبع يتمتع بالإيجابية، ولكن لا ينبغي الاقتصار على أن الطفل الذكي والناجح بمدرسته هو الطفل ذو الصفة الإيجابية لأن ذلك سوف يهمش باقي الأطفال ويحرمهم من هذه الصفة لأنه ليس بالضروري أن يتميزوا في الدراسة والالتزام المدرسي فقط فمن الممكن أن يتميز في شأن آخر.

 

والله سبحانة وتعالى ربط بين الإيمان والعمل في كثير من آيات القرآن الكريم، كقوله تعالى ” الذين آمنوا وعملوا الصالحات” وكذلك البعد عن مخالفة الأقوال للأفعال، حيث قال تعالى “يا أيها الذين أمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون” وكذلك جمع التربية الإسلامية بين الطابع الفردي والجماعي، حيث تربي الإنسان على الفضائل، وتحمله مسؤولية أعماله، وكل ذلك لا يعني انفصاله عن المجتمع الذي يكفل له التكامل والتكافل والقوة، فبيّن الإسلام أن المسلم عون لأخيه المسلم، كما أنها تعزز أهمية القدوات في التأثير على الفرد، وتؤكد على دور الأسرة في هذه التربية، وكما يجب تربية الفرد على مراقبة ربه عز وجل حيث تنمي فيه الدافع والرقيب الداخلي الذي يجعله مستقيما، مراقبا لربه في جميع أعماله، لقوله تعالى ” إن الله لا يخفى عليه شئ فى الأرض ولا فى السماء” وعلموا أولادكم الصدق بالقول والفعل.

 

فإذا حدثتموهم فلا تكذبوا عليهم وإذا وعدتموهم فلا تخلفوا وعدكم فيروى عن النبي صلى الله عليه وسلم “أن من قال لصبي تعالى هاك ثم لم يعطه فهي كذبة” وإن أولادكم إذا رأوكم تكذبون هان عليهم الكذب وإذا رأوكم تخلفون الموعد هان عليهم الإخلاف، فيا أيها الأب الكريم، إن أولادك مرآة يعكسون أخلاقك وأعمالك، فإن رأوك تعظم الله وتخافه عظموا الله عز وجل، إن رأوك تخشى الله وتتقيه خشوا الله واتقوه في أعمالهم بتوفيق من الله، إن رأوك ذا محافظة على الصلوات الخمس فى أوقاتها، إن رأوك على هذه الصفة تأسوا بك فحافظوا عليها، إن رأوك معظما لأبيك وأمك فإنهم سيعاملونك كذلك، إن رأوك تجالس ذوى التقى والصلاح بعيدا عن أهل الإجرام والإفساد نفروا من تلك الشلل الفاسدة والمجتمعات الآسنة، إن رأوا منك كلمات طيبة وألفاظا حسنة كانت ألفاظهم كذلك، وإن سمعوا منك السباب واللعان والقبح والفحش فى الأقوال سمعت منهم مثل ذلك وأشد.

 

فيا أيها الأب الكريم، لا بد من عظة للأبناء ونصيحة لهم، ورسم الطريق الصالح ليسلكوه، وأن الأب ليس مجرد صندوق مالي يحصل من خلاله الأبناء على الأموال اللازمة لشراء احتياجاتهم ومتطلباتهم المعيشية، فالرجل لا يقتصر دوره على توفير النفقات فقط، وإنما يظل هو القدوة والنموذج الذي يحتذى فى البيت والحياة عموما، لذلك فهو له دور كبير في تنشئة وتوجيه الأبناء وإرشادهم، خاصة فى مراحل حياتهم الأولى، وأن عاطفة الأبوة ضرورية وإن اختلفت طبيعة العاطفة بين الطرفين الأب والأم بحكم التكوين الجسدى والنفسى للرجل الذي غالبا مايكون عقلانيا في التعامل مع أبنائه أكثر من المرأة التي تسيطر عليها العاطفة، وأن ما يشاع من أن تربية الأبناء تقع على عاتق الأم فقط اعتقاد خاطئ، فالمسؤولية مشتركة بين الزوجين، وتربية الأبناء ليست مهمة الأمهات، فحضور الآباء مهم جدا في حياة أبنائهم من كافة النواحي.

 

خاصة فيما يتعلق بتنشئتهم الاجتماعية، وأنه يغفل الكثير من الآباء عن تخصيص وقت مناسب لقضائه مع أبنائهم وينشغلوا بأهميته جلب المال إلى الأهل والأبناء، ولكن هناك دور مهم يجب الحفاظ عليه وهو الإسهام في التنشئة النفسية والعاطفية للصغار، مما يجعلهم أكثر قدرة على النجاح والإبداع في حياتهم الشخصية والعملية، فيا أيها الآباء اتقوا الله في أبنائكم، وربوهم على حب الله وخوفه ورجاء ما عنده، ربوهم على منهج الله، وعودوهم على الطاعة، وعلموهم العبادة، ربوهم على أن يعيشوا في الدنيا بمنظار الآخرة، فيتزودوا من ممرهم لمقرهم، حتى تكونوا وإياهم في الجنة في شغل فاكهين، وعلى الأرائك تنظرون، ولم يكن اهتمام الإسلام منصبا على حشو الأدمغة بالمعلومات والمعارف الإنسانية أو الدينية بقدر ما كان يهتم بتأديب المتلقي وتربيته على المبادئ التي تحملها تلك المعلومات بل والتماهي والتمازج بين المبادئ العقلية.

 

والشخصية الإنسانية حتى تصيرا شيئا واحدا، لذلك كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يتجاوزون حفظ عشر آيات حتى يتعلموا ما فيهن من العلم ويعملوا بما فيها، فيتعلمون القرآن والتقوى معا، وتزداد قلوبهم إيمانا مع إيمانهم، وتتعمق في نفوسهم المعاني التربوية العظيمة التى قد لا يحويها كتاب ولكن يحويها قلب امرئ مسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى