مقال

الدكروري يكتب عن تكوين إتجاهات الطفل

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن تكوين إتجاهات الطفل

بقلم / محمـــد الدكـــروري

لقد أودع الله عز وجل في قلوب الأبوين من الرحمة للولد، حتى في البهائم، وهذا ليس بمستغرب إنما الذي يستغرب أن يفرط زمام هذه المحبة لدى الوالدين حتى يعود بالضرر على الولد، ولقد تفاقم الوضع وتعاظم الأمر وتطاير الشرر عندما تخلى الآباء عن مسؤولية التربية الصحيحة وأهملوا الإلمام بأسس العناية السليمة فليست التربية عنف كلها ولا رخو كلها بل شدة فى غير عنف ولين فى غير ضعف هكذا هي التربية، أما أن يعتقد أب أو تظن أم أن التربية تكبيل بالسلاسل وضرب بالحديد والمناشير وسجن في غرفة مظلمة مدلهمة، فيخرج لنا جيل تسيل دماؤه، وتنتفخ أوداجه يخاف من خياله ويهرب من ظله ويغضب ويثور لأتفه الأسباب، فيكن العداء لأمته، والبغضاء لوطنه، فليس ذلك بمطلوب ولا مرغوب، ألا فاعلموا أيها الناس أن شريعة الإسلام لم تأتي بمثل هذا العنف والجبروت والهجية والعنجهية، وحتى نكوّن اتجاها لدى الطفل.

 

يجب أن نركز على ثلاثة جوانب هامة، وهم الجانب المعرفي، والوجداني، والسلوكي، فالجانب المعرفي بمعنى أنه يجب أن يحرص الآباء دائما على تنمية الجانب المعلوماتي امتثالا لقول الله عز وجل فى سورة طه ” وقل رب زدنى علما” وعندما نتحدث عن الجانب المعرفي يجب أن نراعي الخصائص النهائية للمرحلة العلمية، ومرحلة الطفولة ليست هي مرحلة واحدة وإنما هي عدة مراحل، فإدراك الوالدين بشكل عام بالمرحلة النهائية يجعلهم قادرين على الارتقاء المعرفي والثقافي والمعلوماتي الخاص بالطفل، وأما عن الجانب الوجداني، وهو بمعنى أنه يجب على الأسرة أن تعمل على تبني توجه إيجابي لدى الأطفال لتنمية الجوانب الوجدانية، والتي تتمثل في غرس المبادئ والقيم، وهذه المبادئ والقيم هي محركات سلوكية نحو القيم كالأمانة والإخلاص والتفاني، كل هذه المعاني الإيجابية والقيمية التي تعتبر محركات سلوكية لها جوانب هامة.

 

في تكوين السلوكيات الأسرية الإيجابية لدى الطفل، وأما الجانب الثالث وهو المكون السلوكي بمعنى التطبيقي، فيجب على الآباء التركيز على هذا المكون الأخير لأنه حصيلة المكونين ال سابقين المعرفي والوجداني، وخاصة أننا نتحدث عن فئة الطفولة، وفئة الطفولة ربما لا تستوعب كثيرا الجانب المعرفي والوجداني، فيكون الجانب التطبيقي هو الذي يلمس الطفل، لأن التطبيق معناه محاكاة ما يحدث في الواقع للطفل، ويظهر السلوك الإيجابى للطفل هذا جليا من خلال الممارسة والمعايشة في أنظمة المنزل المختلفة من الطعام والشراب والملبس والمعاملة داخل المنزل، فكل هذا عبارة عن سلوكيات يراها الطفل نصب عينيه على مدار الساعة داخل المنزل، كما يراها أيضا عند مربيه في الحضانة، وعند مدرسيه في المدرسة الابتدائية، وبالتالي فالطفل يرى سلوكيات مختلفة، سواء تمثلت هذه السلوكيات في جوانب التدريس أو المعاملات المختلفة.

 

وهذه التطبيقات عندما نركز على الحماية الزائدة على سبيل المثال، فإن هذه الحماية الزائدة لن تشكل سلوكا إيجابيا مبادرا، وبالتالي فيجب أن نسعى إلى استقلالية الشخصية في الطعام مثلا، وأيضا وفي باب الكرم، علمه أن يوصل صدقتك بنفسه للفقير، ثم أعطه عشرين جنيها بشرط أن يتصدق بعشرة منها على فقير يختاره هو، ثم ضع له حصالة وأعطه مبلغا يجمعه للعيد على أن يتصدق في آخر ليلة من رمضان بعُشره مثلا، وعلمه كيف يستقبل الضيوف ويكرمهم، وكيف يسأل عن أحوال الناس ويهتم بقضاياهم، وتدرج معه بحسب سنه، وكذلك علمه أدب الطعام، فعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك، فكلما جلس للطعام قل له كل بيمينك، خذ بيمينك، حتى تترسخ في نفسه.

 

وروى الحافظ ابن عساكر أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه كان يلعب مع بعض أترابه من الصبيان، فمر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ففر الصبية خوفا من الفاروق وبقي ابن الزبير ولم يفر، فأقبل عليه عمر وقال له مالك لم تفر مع أصحابك يا غلام؟ فرد عليه عبد الله ببساطة وبراءة يا أمير المؤمنين لست مذنبا فأخافك، وليست الطريق ضيقة فأوسع لك فيها، فانظر، شجاعة في أدب، أو أدب في شجاعة، رحمهم الله كيف كانوا يربون، ولقد خلق الله الإنسان مكرما معززا، ومنحه حق الحياة، واعتبر حماية النفس من مقاصده الكبرى، وحرّم الاعتداء عليها، ووضع حدا لحياتها بالقتل، وإذا كانت النفس الإنسانية قد تتصور قتل إنسان لإنسان بدافع حب البقاء وهذا غير جائز فإنها تستبعد كثيرا أن يضع المرء حدا لحياته بنفسه مهما عظمت الأسباب، وهو فعل يأباه عالم الحيوان غير الناطق، فكيف بعالم الإنسان العاقل؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى