مقال

الدكروري يكتب عن تنظيم حياة الأفراد 

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن تنظيم حياة الأفراد

بقلم / محمــــد الدكـــــروري

 

لكي يعيش الإنسان في جو آمن هادئ في هذه الحياة، فإنه يجب توفير أنظمة وقواعد أمنية، لتنظيم حياة الأفراد في المجتمع، وتطبيق مبادىء العدل بين أفراد المجتمع، وسيادة الترابط الاجتماعي بين أفراد المجتمع، ووجود حكومة عادلة لتطبيق النظام وتنفيذه على أرض الواقع، وتعميق الانتماء للوطن، وتطبيق الناس لأوامر الدين الإسلامي، والبعد عن نواهيه، فبالأمن يسمح للإنسان بتأدية وظيفة الخلافة بالأرض، حيث يعتبر الأمن أساس التنمية، والأمن غاية العدل، وكما أن الأمن هو هدف الشرائع الدينية جمعاء فقد جاءت هذه الشرائع لإقامة السلام الاجتماعي بين بني الإنسان، وقد جاء ذكر الأمن في مواضع عدة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، للدلالة على السلامة والاطمئنان النفسي، وانتهاء الخوف في حياة الناس، ولقد جعل دين الإسلام الأمن من أعظم النعم على الإنسان، حيث حث الرسول عليه الصلاة والسلام على كل عمل يعود بالأمن على المسلمين.

 

ونهى وحرم كل عمل يهدد أمنهم وسلامتهم، لكن الدين الإسلامي لم يركز على الأمن المطلق في حياة البشرية لأن هذا محال أن يكون إلا في جنات النعيم، فمهما أوتي الإنسان من نعمة الأمن فلن يشعر بكماله، ولقد شرع الإسلام الحدود والقصاص للزجر والردع عن الجرائم التي تمس الأفراد في أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، وجعل منزلة الحاجات والضروريات قبل الرغبات النفسية، لما لها من أثر واضح في ضمان حياة الإنسان واستمرارها، وتشريع الأمن في الإسلام لم يقتصر على المسلمين فقط، بل امتد إلى غير المسلمين، ممن يعيشون في البلاد الإسلامية، حيث حرم قتلهم والاعتداء على أرزاقهم وأعراضهم، مثل أهل الذمة وغيرهم ممّن يقبلون على البلاد الإسلامية، من أجل القيام بأعمال لا تعد محرمة في الشريعة الإسلامية كالتجارة، ولقد اعتني به القرآن الكريم والنبي محمد‏ صلي الله عليه وسلم‏، فهذ هو الشيء الذي به قلب الانسان يرتاح ويطمئن.

 

ويسعد به في هذه الدنيا هو الأمن، وقد ورد في كتاب الله، في قوله تعالي فى سورة النساء “وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلي الرسول وإلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم” وقوله تعالي فى سورة الأنعام “فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون” وقد أتي مرتين منكرا منها قوله تعالي فى سورة النور “وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا” فإن الأمن نعمة من نعم الله علينا، فالناس جميعا ينعمون بنعمة الأمن التي لا تتجزأ، فالأمن بجميع أنواعه كل لا يتجزأ، ولذلك ربنا سبحانه وتعالي قال فى سورة قريش ” فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف” ففرق بين الأمن الغذائي والأمن الوطني المجتمعي علي أرزاقهم

 

وأعراضهم وحريتهم، وأراد سبحانه وتعالى أن يطمئن قلوبهم، فقال تعالي فى سورة الفتح “هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم” والمدار علي هذه السكينة وعلي هذه الطمأنينة التي تأتي في حقيقتها يعد نوعا من القلق والاضطراب وتأتي بعد قدر من الخوف، وهذا الخوف عبر عنه سبحانه وتعالى بالخوف نفسه، وعبر عنه سبحانه وتعالى بالبأس، وعبر عنه سبحانه وتعالى بالفزع، فقال تعالى فى سورة النمل ” وهم من فزع يومئذ آمنون” وعبر عنه سبحانه وتعالى بألفاظ أخري غير هذه الألفاظ، لكن مؤداها جميعا هي أنها تحدث لدي الانسان ضربا من الخوف، فإذا جاء الأمن أزال ذلك الخوف، فإن الأمن حالة قلبية تجعل المتصف بها في الدنيا يطمئن ويرتاح ويسعد ويهنأ بالحياة، وفي الآخرة تحصل السعادة الأبدية، ولقد كان من دعاء نبى الله إبراهيم عليه السلام، كما قال سبحانه وتعالى فى سورة البقرة “وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا”

 

فاستجاب له ربه وذكرهم بهذه النعمة في قوله تعالي فى سورة العنكبوت “أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا” وقال تعالي فى سورة آل عمران “ومن دخله كان آمنا” فإن الأمن هو ثمرة من ثمرات الايمان، والعلاقة واضحة جلية بين الايمان والأمن، فيقول الله عز وجل في سورة النحل فى هذا المعني ” وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون” فإنه حين اختفي الايمان والعمل الصالح والشكر لله حل مكان ذلك الخوف علي كل شيء لأن الأمن يستمر بشكر النعمة وينقطع بكفران النعمة، ومنه قوله تعالي فى سورة الحجرات ” ولكن الله حبب إليكم الايمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان” فهذه الأنواع الثلاثة كلها كفران لأنعم الله علي رتب متفاوتة وقوله تعالي فى سورة القصص ” أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبي إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون” فمع وجود الأمن في قلوب الأفراد وفي المجتمع تأتي الخيرات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى