مقال

الدكروري يكتب عن سعادة المؤمن الحقيقية

الدكروري يكتب عن سعادة المؤمن الحقيقية

بقلم/ محمـــد الدكـــروري

 

إن الله عز وجل اشترى شربة ماء لكلب بالجنة، وإنه سبحانه وتعالي يحب كلمات لسانك ودمعة عينك وقطرة دمك وأثر رجلك على الأرض، وانه عز وجل يناديك في الثلث الأخير من كل ليلة لتتاجر معه، وإن في تلك الأسواق جنة عالية قطوفها دانية، وإن من الأسباب التي تحقق الحياة الطيبة، هو الإحسان إلى الناس بالقول والفعل، وأنواع المعروف، والمحسنون لهم في الدنيا حياة حسنة، ومتعة حسنة، ومكانة حسنة، ولهم في الآخرة خير من الدنيا وما فيها، ومن أسباب الحياة الطيبة هو السلامة من الغل والحسد، فالمؤمن يمسي ويصبح سليم الصدر، نقي الفؤاد، يدعو بما دعا به سلفه الصالح، والمؤمن لا يحسد بل يوجه همته إلى معالي الأمور، فالحسد والبغضاء من بذور الشيطان، والمحبة والصفاء من غرس الرحمن، ومن الأسباب أيضا هو النظر إلى من هو دونك في الدنيا وقد أرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

 

لأن الشخص إذا نظر إلى من هو فوقه لم يأمن أن يؤثر ذلك فيه حسدا، ودواؤه هو أن ينظر إلى من هو أسفل منه ليكون ذلك داعيا إلى الشكر، ومن الأسباب أيضا هو اليقين بأن سعادة المؤمن الحقيقية في الآخرة، حين يدخله الله تعالى جنات له فيها نعيم مقيم، وهذه شهادة من الله وتعريف لهذه الحياة الطيبة، ولكن كثيرا من الناس عن هذا غافلون، يبحثون عن الحياة الطيبة وهي بين أيديهم، ويضلون عنها وهي في متناول أيديهم، وهذه الحياة الطيبة، أساسها وقوامها على أمرين اثنين، أمرين عظيمين جليلين يسيرين على من يسرهما الله عليه، فالأمر الأول وهو الإيمان بالله تبارك وتعالى، والأمر الثانى وهو عمل الصالحات وفق ما شرعه الله تبارك وتعالى وما جاء عن رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن أول من أسعد بهذه الحياة الطيبة وعرف معناها هم أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام وإمامهم وسيدهم.

 

وخاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم إخوانه من الأنبياء والمرسلين عليهم صلوات الله وسلامه ثمَّ أصحاب رسول الله، أصحابه وأصحاب إخوانه من الأنبياء والمرسلين، وأولهم وفي مقدمتهم أبو بكر الصديق رضي الله تبارك عنه وأرضاه الذي يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه “لو كنت متخذا من أمتي خليلا، لاتخذت أبا بكر خليلا” ثم عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ثم إخوانكم من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ثم من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، يعرفون معنى الحياة الطيبة فيعملون لها، ويعرفون معنى هذه الحياة فيعطونها حقها، ويعرفون معنى الحياة الآخرة فيعطونها حقها، وإذا توفرت لهم هذه الدنيا وجاءت إليهم راغمة، فإنهم يزهدون فيها طمعا، على ألا يكون هذا على حساب آخرتهم كما ورد عن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه “والله لو شئت لكنت ألينكم لباسا وأطيبكم طعاما وأرقكم عيشا.

 

ولكني سمعت الله عير أقواما فقال فى سورة الأحقاف “أذهبتم طيباتكم فى حياتكم الدنيا واستمتعتم بها” وكان الإمام علي رضي الله عنه إذا جاء آخر الليل وانفرد بنفسه قبض على لحيته وقال في تهجده مخاطبا الدنيا “إليّ تغرغرتى، إليّ تشوفتى هيهات هيهات، غُرّي غيري، قد بتتك ثلاثا، طمعك حقير، ومجلسك خطير، وخطرك يسير، غُرّي غيري، فهيهات هيهات، آه من قلة الزاد، وبُعد السفر، ووحشة الطريق” فاتقوا الله واعلموا أن هذا هو معنى الحياة الطيبة، فاحرصوا عليها وتزودوا لها، ولا يغركم كثرة الهالكين والغافلين عنها، فاتقوا الله واعلموا أن هذا هو الطريق الذي يوصلكم إلى رضوان ربكم، فتظل المفاهيم والأفكار في حياة الإنسان هي أهم عوامل نجاحه وتفوقه وتميزه، وتظل كذلك هي سبب فشله وتأخره وضياعه، وكل من يريد النجاح عليه أن يعمل على تحسين مفاهيمه وآليات تفكيره، ويمكن بعد ذلك أن ينفر من على ظهر الأرض كأنجح مخلوق.

 

فالحياة فرصة، وأحد المفاهيم المهمة التي نحن بحاجة إلى فهمه، وتحقيقه واقعا في مسيرة الواحد منا، وهو مفهوم اعتنقه بعض الماضين، فرحلوا به إلى جنان الخلد عند رب العالمين، فإن هذا المفهوم يجعلنا نعمل في الدنيا، وأعيننا أكثر انفتاحا على الدار الآخرة، وعقولنا أكثر إدراكا لمعنى الفرصة في الحياة، وقلوبنا كذلك ينبغي أن تكون أكثر انفتاحا لهذا المعنى، وإقبالا على آثاره في الدنيا قبل الآخرة، فإن مشكلتنا الحقيقية أن هذا المفهوم غاب من حياتنا، لا لأنه غير مهم، كلا، وإنما لأن الدنيا استحوذت على قلوبنا وأفكارنا، فلم تبقى فيها مجالا للتروي في معنى الفرصة في الدار الآخرة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال “عرضت عليّ الأمم، فجعل يمر النبي ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، والنبي ومعه الرهط، والنبي وليس معه أحد، فرأيت سوادا كثيرا سد الأفق، فرجوت أن يكون أمتي.

 

فقيل هذا موسى في قومه، ثم قيل لي انظر، فرأيت سوادا كثيرا سد الأفق، فقيل لي انظر هكذا وهكذا، فرأيت سوادا كثيرا سد الأفق، فقيل هؤلاء أمتك، ومع هؤلاءِ سبعون ألفا قبلهم يدخلون الجنة بغير حساب، هم الذين لا يتطيرون، ولايسترقون، ولا يَكتوون، وعلى ربهم يتوكلون، فقام عكاشة بن محصن، فقال ادع الله أن يجعلني منهم، قال “اللهم اجعله منهم” ثم قام رجل، فقال ادع الله أن يجعلني منهم، فقال “سبقك بها عكاشة” فتأمل كيف كانت الفرصة في حياة عكاشة بن محصن، وأنها في لحظة واحدة رحلت به إلى دخول الجنة دون حساب أو عقاب؟ وتأمل كم كانت هذه الأمنية تعتلج في نفوس الجالسين كلهم؟ ومجرد تأخرهم عن استثمار الفرصة فوّت عليهم أعظم الأرباح، في عرصات القيامة، وحاول أحدهم أن يلحق بصاحبه، فقال ادع الله أن يجعلني منهم، قال “سبقك بها عكاشة”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى