مقال

الدكروري يكتب عن تبعات وأقسام حمل الأمانة

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن تبعات وأقسام حمل الأمانة
بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن من تبعات الأمانة هو أن من حفظها نال ثواب الله عز وجل في الدنيا والآخرة، ومن أضاعها نال عقابه جلّ وعلا لمُضيع الأمانة في الدنيا والآخرة، فحملها الإنسان، وتحمل هذه المسؤولية العظيمة مع ظلمه وجهله، فالعبد يعيش مُتحملا مسؤولية الأمانة في حياته كلها، والله جل وعلا يسأله عنها يوم لقاء الله، ثم إذا نظرنا في حال هذا الإنسان، وتحمّله لهذه الأمانة وكيف قيامه بها، نجد أن الناس اتجاه تحمّل الأمانة على أقسام ثلاثة، قسم تحمّل الأمانة في الظاهر ولم يتحمّلها في الباطن، فقام بالأمانة ظاهرا ولم يقم بها باطنا، وهؤلاء هم المنافقون والمنافقات الذين يُظهرون ما لا يبطنون، ويُعلنون ما لا يسرون، إذا جاءوا لأهل الإيمان أظهروا الإيمان والأمانة والصدق والوفاء، أظهروا ذلك خوفا من أهل الإيمان، وإذا لحقوا بركب الكافرين أظهروا لهم الكفر، فهم يُظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، يظهرون ما لا يبطنون، فهم في الظاهر متحملون للأمانة.

وفي الباطن أهل مكر وخديعة وخيانة، وهم في حقيقة أمرهم يخادعون أنفسهم، يظنون أنهم يخادعون الله ويخادعون المؤمنين، وهُم في واقع أمرهم وحقيقة حالهم، يخادعون أنفسهم ويمكرون بها ويوصلونها إلى الهلكة المحققه في الدنيا والآخرة، والقسم الثاني وهم من لم يتحملوا الأمانة لا في ظاهرهم ولا في باطنهم، وهؤلاء هم الكافرون والكافرات، فهؤلاء في باطنهم وفي ظاهرهم على السواء، على الكفر بالله والإعراض عن دين الله والبعد عن شرع الله سبحانه وتعالى، والقسم الثالث وهم المؤمنون والمؤمنات الذين تحملوا الأمانة، وقاموا بها وجدّوا واجتهدوا في تحقيقها، وهؤلاء هم أهل الإيمان وأهل كرامة الله تبارك وتعالى في الدنيا والآخرة، ولهذا لما ذكر الله جل وعلا في الآية السابقة عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال، وذكره تبارك تعالى امتناعها من حملها وشفقتها من ذلك، وذكره تبارك وتعالى أن الإنسان تحمّلها ورضي بها.

ذكر جل وعلا عقب ذلك أقسام الناس اتجاه هذه الأمانة فقال تعالى كما فى سورة الأحزاب “ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما” فذكر جلّ وعلا أن أقسام الناس اتجاه الأمانة ثلاثة أقسام، قسمان معذبان وهم المنافقون والمنافقات والمشركون والمشركات، وقسم مُنعّم وهم أهل الإيمان، جعلنا الله وإياكم منهم، ثم إننا إذا نظرنا إلى الأمانة من حيث متعلقها وإلى من تجب، وما هي مجالاتها، فهى تنقسم إلى ثلاثة أقسام، أمانة تتعلق بحق الله تبارك وتعالى على عباده، فالله عز وجل ائتمنك على حقوقه في هذه الحياة، خلقك لطاعته وأوجدك لعبادته وأمرك ونهاك، لم يخلقك سُدى ولم يتركك هملا وإنما خلقك لغاية حميدة وأوجدك لهدف رشيد وهو عبادة الله، وأنت مؤتمن على هذا الأمر، مؤتمن عليه بل إن الأمانة في أعظم صورها القيام بها فيما يتعلق بحق الله على عباده.

ولهذا فإن التوحيد أمانة والشرك خيانة، وأعظم الأمانة التوحيد وأعظم الخيانة الشرك والتنديد، وإن من يقوم بحق الله عز وجل، بإخلاص الدين له وامتثال أوامره والبعد عن نواهيه والحذر من الإشراك معه تبارك وتعالى فإنا من يكون كذلك قد قام بالأمانة في حق الرب العظيم سبحانه وتعالى، وإن معرفتك بالله وبأسمائه الحسنى وصفاته العظيمة ومعرفتك بجلاله وجماله وعظمته وكماله، ومعرفتك بقدرته جلّ وعلا وتمام حكمته وشمول علمه، كل ذلك مما يحقق لك القيام بالأمانة على أبهى صورها وفي أتم حُللها، وأما عن القسم الثاني وهو الأمانة في حقوق الرسول صلى الله عليه وسلم، فنحن مؤتمنون على القيام بحقوقه عليه الصلاة والسلام، ومن حقوقه صلى الله عليه وسلم، محبته وتقديم محبته على النفس والنفيس، وعلى الولد والناس أجمعين، فيقول عليه الصلاة والسلام ” لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين.

ولما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يا رسول الله والله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، قال صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه، فقال عمر والله يا رسول الله لأنت الآن أحب إلي حتى من نفسي، فقال الآن يا عمر” فمن الأمانة في حق الرسول عليه الصلاة والسلام، هو محبته صلى الله عليه وسلم، محبة تقتضي امتثال أوامره والبعد عن نواهيه، وتصديق أخباره وتعظيمه وتوقيره، والقيام بحقوقه عليه الصلاة والسلام، والبعد عن الغلو فيه صلى الله عليه وسلم، فكل ذلك أمانة، أمانة علينا اتجاه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وأما عن القسم الثالث وهو الأمانة فيما يتعلق بحقوق الناس، فهناك أمانة تتعلق بحق الوالدين، وأمانة تتعلق بحق الأبناء، وأمانة تتعلق بحق الجيران، وأمانة تتعلق بحق التجار، والموظفون مؤتمنون والمعلمون مؤتمنون، وكل في مجاله مؤتمن، والله تبارك وتعالى سائل كلا عمّا ائتمنه عليه، وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم ” كلم راع وكلكم مسئول عن رعيته “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى