مقال

الدكروري يكتب عن الحكمة من الجهلاء

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الحكمة من الجهلاء

بقلم / محمــــد الدكـــروري

 

إنه ينبغي على المرء أن يوطن نفسه على معالي الأمور والأخلاق ويتنزه عن سفسافها، وأن يتخذ الناس مرآة لنفسه فكل ما كرهه، ونفر عنه من قول أو فعل أو خلق فليتجنبه، وما أحبه من ذلك واستحسنه فليفعله وصدق، ولذلك يقول لقمان الحكيم” تعلمت الحكمة من الجهلاء، فكلما رأيت فيهم عيبا تجنبته، ولهذا كان الصحابة يسألون الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عن الخير، وحذيفة اليمانى رضي الله عنه، يسأله عن الشر مخافة أن يدركه، وأيضا من وسائل البعد عن الفساد هو مصاحبة الأخيار وأهل الأخلاق الفاضلة، فالمرء مولع بمحاكاة من حوله، شديد التأثر بمن يصاحبه، فالجبان قد تدفعه قوة الصداقة إلى أن يخوض في خطر، ليحمي صديقه من نكبة، والبخيل قد تدفعه قوة الصداقة إلى أن يبذل جانبا من ماله لإنقاذ صديقه من شدة.

 

فالصداقة المتينة لا تحل في نفس إلا هذبت أخلاقها الذميمة فإذا كان الأمر كذلك فما أحرى بذي اللب أن يبحث عن إخوان الثقات حتى يعينوه على كل خير، ويقصروه عن كل شر فينبغي على المرء أن يحسن اختيار الصاحب، لأنه يكون على هديه وطريقته ويتأثر به، كما قيل الصاحب ساحب، حتى لو أردت أن تعرف أخلاق شخصٍ فسأل عن أصحابه، وكذلك الاقتداء بأخلاق الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فهو القدوة والأسوة والمثل الأعلى في مكارم الأخلاق حيث شهد له ربه عز وجل بقوله فى كتابه الكريم فى سورة القلم ” وإنك لعلى خلق عظيم ” وكان الصحابة دائما يسألون عن أخلاقه ليمتثلوا به ويقتدوا بأخلاقه صلى الله عليه وسلم، فقد سئلت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها عن أخلاقه فقالت ” كان خلقه القرآن ” رواه مسلم.

 

وﺭﻭﻱ ﺃﻥ ﺃﻋﺮﺍﺑﻴﺎ ﻗﺎﻝ للإمام ﻋلي بن أبى طالب رضي الله عنه “عدد ﻟﻨﺎ ﺃﺧﻼﻕ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ صلى الله عليه وسلم، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﻋﻠﻲ رضي الله عنه، ﻫﻞ ﺗﻌﺮﻑ ﺍﻟﻌﺪ ؟ ﻗﺎﻝ ﻧﻌﻢ، ﻓﻘﺎﻝ علي رضي الله عنه “ﻋﺪ ﻟﻲ ﻣﺘﺎﻉ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ” ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻷﻋﺮﺍﺑﻲ، ﻣﺘﺎﻉ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻻ ﻳُﻌﺪ، ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻠﻲ رضي الله عنه” ﻋﺠﺰﺕ ﻋﻦ ﻋﺪ ﺍﻟﻘﻠﻴﻞ” ﺇﺫ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ تعالى كما جاء فى سورة النساء ” قل متاع الدنيا قليل ” ﻭﻃﻠﺒت مني ﻋﺪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، حيث ﻳﻘﻮﻝ تعالى ” وإنك لعلى خلق عظيم ” وأيضا من وسائل البعد عن الفساد هو النظر في سير السلف الصالح، فهم أعلام الهدي، ومصابيح الدجى، وهم الذين ورثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه، وسمته وخلقه، فالنظر في سيرهم، والاطلاع على أحوالهم، وقراءة تراجمهم مما يحرك العزيمة على اكتساب المعالي ومكارم الأخلاق، ذلك أن حياة أولئك تتمثل أمام القارئ.

 

وتوحي إليه بالاقتداء بهم، والسير على منوالهم، وهكذا فإن لحسن الخلق ثمرات وفوائد تعود على صاحبه في الدنيا والآخرة وتتمثل فى محبة الخلق فإن الفرد إذا حسنت أخلاقه أحبه الناس وأقبلوا على معاملته والزواج منه واشتهر بصدقه وأمانته وهذا الذي دفع السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها إلى اختيار الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ليتجر في مالها ثم الزواج منه لصدقه وأمانته فقد كان مشهورا بين قريش بالصادق الأمين وكل هذا قبل البعثة، وحسن الخلق قوام الحضارات، فالحضارات والأمم تبني على التعاون والتشارك والصدق والأمانة في البيع والشراء وسائر القيم والأخلاق الفاضلة أما إذا انتشر الكذب والنفاق والغش والخداع والتضليل والقهر والظلم والربا والاحتكار وانتشرت الجرائم من السرقة والزنا والقتل والتفجير والتخريب فأنى لقيام الحضارات؟

 

فهذه هي وسائل اكتساب الأخلاق والبعد عن الفساد فالزموها وعلموها أبناءكم وبناتكم وأهليكم، فأنتم مسئولون عنهم أمام الله يوم القيامة، وإن من أنواع الإفساد وصوره، هو الشرك بالله والصد عن سبيله فهو إفساد فهؤلاء جمعوا بين إفسادين، كفر بالله وصد عن سبيل الله، وكذلك النفاق هو إفساد في الأرض ففيه إضلال الناس وتشكيكَهم في دينهم وصرفَهم عن الطريق المستقيم، وكذلك تكذيب الرسل، ورد الحق برغم الإيقان به فهو إفساد، وكذلك اللجوء إلى غير الله ودعاء الأموات إفساد، وأيضا بخس الموازين والتطفيف بالكيل إفساد، وكذلك التقاطع في الأرحام وعدم وصلها إفساد، ونقض العهد، وعدم الوفاء به، وقطع ما أمر الله به أن يُوصل هو إفساد، وكذلك الإسراف ومجاوزة الحد في الغي والتمادي في المعاصي إفساد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى