مقال

الدكروري يكتب عن الصبر علي إيذاء الجار

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الصبر علي إيذاء الجار

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إنه ينبغي أن يكون الجيران كأسرة كبيرة، ولكي يحصل ذلك لا بد من التعارف فيما بينهم، وكما ينبغي معرفة القاطنين في كل بيت، معرفة أسمائهم وأعمارهم، ومستواهم الدراسي ومهنهم، وأحوالهم الصحية، وهل فيهم من يعاني من إعاقة أو عجز أو مرض مزمن، والسؤال عن كل هذا لا يعني التدخل فيما لا يعنينا بل من أجل الاطلاع على أحوال من أصبح عضوا في أسرتنا، وحتى أسأل عنه وحتى أساعده إن اقتضى الحال، وبعد التعارف يمكن أن يكون هناك تزاور، على الأقل أن تزور جارك على باب بيته، وبعد التزاور ينبغي تبادل التهاني في الأعياد والمناسبات، ثم تبادل الهدايا أيضا، فلقد جاء في الحديث “تهادوا تحابوا” رواه البخاري، وإن عجزت عن الصبر على إيذاء جارك، وعن ملاقاة الإساءة منه بالإحسان، فعليك بوصية محمد صلى الله عليه وسلم في التعامل مع مثل هؤلاء الجيران الذين يؤذونك فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال.

 

جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم “اذهب فاصبر” فأتاه مرتين أو ثلاثًا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم “اذهب فاطرح متاعك في الطريق” فطرح متاعه في الطريق، فجعل الناس يسألونه، فيخبرهم خبره، فجعل الناس يلعنونه فعل الله به وفعل، وفي لفظ آخر فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، لقيت من الناس، قال صلى الله عليه وسلم “وما لقيت؟” فقال الرجل يلعنونني، فقال صلى الله عليه وسلم “قد لعنك الله قبل الناس” فقال إني لا أعود، ثم ذهب إلى جاره، فقال له ارجع لا ترى مني شيئا تكرهه، فجاء الشاكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له الحبيب عليه الصلاة والسلام “ارفع متاعك، فقد كفيت” رواه أبو داود، وإن الناظر في واقع الناس اليوم يرى كيف أن الدنيا قد ألقت بظلالها على حياتهم، فعصفت بكثير من الأخلاق والقيم، وأنست كثيرا من الحقوق والمُثل.

 

فتباعدت القلوب، وتنافرت النفوس، حتى رأينا مَن عق أباه، وقطع أخاه، وهجر جاره، ورأينا كذلك جارين في حي واحد بل في عمارة واحدة، يتجاوران سنوات عديدة، لا يدخل أحدهم منزل جاره، ولا يتفقد أحواله خلال هذه المدة، وقد يسافر الجار، أو يمرض، أو يحزن، أو يفرح، وجاره لم يشعر بذلك، ولم يشاركه في أفراحه وأتراحه، بل قد ترى الشقاق والنزاع محتدما بين الجيران، والعداء ظاهرا بينهم بالقول أو الفعل، فضُيعت الحقوق، وقام بين الناس سوق القطيعة والعقوق، إلا من رحم الله تعالى ولا بد لتدارك ذلك من وقفة نراجع فيها أنفسنا، ونصحح فيها أحوالنا، ونعمل من خلالها على تلمس حاجات جيراننا، والإحسان إليهم، وكف الأذى عنهم، وإن جملة ما يحق لجارك عليك هو أن تسلم عليه إذا لقيتَه، وإن مرض عُدتَه، وإن مات شيعتَه، وإذا استقرضك أقرضتَه، وإذا افتقر عدت عليه، وإذا أصابه خير هنأته.

 

وإذا أصابته مصيبة عزيته، ولا تستطل عليه بالبنيان فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذه برائحة قدرك إلا أن تغرف له منها، وإن اشتريت فاكهة، فأهدي له، فإن لم تفعل، فأدخلها سرا، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده، وجماع حقوق الجار على جاره قوله صلى الله عليه وسلم “لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره أو قال لأخيه ما يحب لنفسه” رواه مسلم، فاتقوا الله، عباد الله، وأحسنوا إلى جيرانكم، يحسن الله إليكم، واصبروا على هفوات الجار، يتجاوز الله عن هفواتكم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “مَن يأخذ عني هؤلاء الكلمات، فيعمل بهن أو يعلم مَن يعمل بهن؟” فقال أبو هريرة فقلت أنا يا رسول الله، فأخذ بيده وعدّ خمسا، وقال “اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله تكن أغنَى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأَحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب” رواه الترمذي.

 

وعن أبي شريح الخزاعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره” رواه مسلم، وإن الجار هو أحد ثلاثة، إما أن يكون جارا غير مسلم، فهذا له حق الجوار فقط، وإما أن يكون جارا مسلما، فهذا له حق الجوار، وحق أخوة الإسلام، وإما أن يكون جارا مسلما قريبا، فهذا له حق الجوار، وحق أخوة الإسلام، وحق صلة الرحم، وهكذا فإن للجار على الجار حقوق كثيرة منها هو إذا استعانك أعنتَه، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “مَن استطاع منكم أن ينفع أخاه، فليفعل” رواه مسلم، فخير الناسِ أنفعهم للناس، وخير الناس مَن كان في عونِ الناس لأن الناس لا يَستَغني بعضهم عن بعض، ويقول علقمة بن لبيد يوصي ولده “يا بُنيّ، إنِ احتجت إلى صحبة الرجال، فاصحب مَن إن صحبتَه زانك، وإن أصابتك خصاصة أعانك، وإن قلت سدد قولك، وإن صُلت قوّى صولتَك، وإن بدت منك ثلمة سدّها، وإن رأى منك حسنة عدّها، وإن سألته أعطاك، وإن نزلَت بك إحدى المهمات واساك، مَن لا تأتيك منه البوائق، ولا تختلف عليك منه الطرائق”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى