مقال

الدكروري يكتب عن مؤسسة الجوار

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن مؤسسة الجوار

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن مؤسسة الجوار هي ثاني مؤسسة اجتماعية بعد مؤسسة الأسرة، ودورها كبير في التنشئة الاجتماعية لأبنائنا لأنها أول ما يكتشفه الطفل من العالم الخارجي، ولها أهمية كبيرة في التماسك الاجتماعي، وحلقة وسيطة ورابطة للانتماء الوطني ولوحدة الأمة، فالاهتمام بها والعمل على الرقي بمستواها مِن أوجب الواجبات على الأفراد والأسر والشعوب، ولقد أوصى الإسلام بالجار وأعلى من قدره، فللجار في ديننا حرمة مصونة، وحقوق مرعيّة، حيث قرن المولى سبحانه وتعالى الإحسان إلى الجار بعبادته وتوحيده فقال سبحانه وتعالي في سوة النساء ” واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربي واليتامي والمساكين والجار ذي القربي والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا”

 

فهذه وصية الله عز وجل في كتابه، أما وصية رسوله صلى الله عليه وسلم فقد جاءت في صورة جليلة، وتعبير مستفيض، يجلي مكانة وحق الجار في الإسلام، فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده، عن رجل من الأنصار، قال خرجت مع أهلي أريد النبي صلى الله عليه وسلم وإذ به قائم، وإذا رجل مقبل عليه، فظننت أن له حاجة، فجلست، فوالله لقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعلت أرثي له من طول القيام، ثم انصرف، فقمت إليه، فقلت يا رسول الله، لقد قام بك هذا الرجل، حتى جعلت أرثي لك من طول القيام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أتدري من هذا؟” قلت لا، قال صلى الله عليه وسلم “جبريل، ما زال يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورّثه” وإن الجار هو مَن جاورك في دارك، سواء أكان مسلما أم كافرا، برّا أم فاجرا، صديقا أم عدوا.

 

محسنا أم مسيئا، قريبا أم بعيدا، وليس للجار ضابط من عدد أو غيره، والمرجع في ذلك إلى عرف الناس، فكل من عده الناس جارا لك، فهو جار تجب له حقوق الجوار، ولقد كان الجيران إلى زمن قريب متآلفين يعرف بعضهم بعضا، يتشاركون في معايشهم وأرزاقهم ويتحمل بعضهم بعضا، ويحفظ بعضهم جاره إذا غاب، ويدعو بعضهم لبعض في صلواته وخلواته، حتى من شدة قوة علاقاتهم شاهدنا كثيرا منهم يضع بابا بينه وبين جاره لسهولة التواصل فكانوا يدركون عظمة بر الجار والإحسانِ إليه كما روى الحاكم بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، قَال جاء رجل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله دلني علي عمل إذا عملت به دخلت الجنة ؟ قال “كن محسنا” قال كيف أعلم إني محسن؟ قل سل جيرانك، فإن قالوا إنك محسن فأنت محسن، وإن قالوا إنك مسيء فأنت مسيء”

 

أما اليوم فللأسف الشديد طغت المدنية المعاصرة والجهل بالشريعة وحب الذات حتى أصبح الساكن في عمارة واحدة لا يعرف جاره ولا يُسلم عليه لو قابله ولا يسأل عنه، بل ليته يسلَم من أذيته أحيانا، إذ من أعظم الأذى، والأذى كله شر، هو أذى الجار، فكف الأذى عن الجار سبب لتحقيق كمال الإيمان، فعن أبي شريح أن النبي صلي الله عليه وسلم قال ” والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يومن” قيل ومن يا رسول الله؟ قال ” الذي لا يأمن جاره بوائقة” رواه البخاري، وفي رواية الإمام أحمد “قيل وما بوائقة؟ قال شرة” وعنِ ابن عمر رضي الله عنهما قَال سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول ” كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة، يقول يا رب هذا أغلق بابه دوني فمنع معروفه” رواه البخاري في الأدب المفرد، فأين من يتأمل هذا من قلة آذوا جيرانهم بالأصوات المزعجة أو المضايقات.

 

بالنظر أو حتى بالجلوس في الطرقات والزوايا إلى ساعات متأخرة من الليل، وإذا بلغت أذية الجار مبلغا يجعل جاره يفارق بيته لأجل ما يلقى من أذى فالمؤذي على خطر من نزول العقوبة العاجلة به، التي قد تهلكه أو تهلك ولده أو تتلف ماله، قَال ثَوبان رضي الله عنه ” ما من جار يظلم جاره ويقهرة حتي يحمله ذلك علي أن يخرج من منزلة إلا هلك” رواه البخاري في الأدب المفرد، وكما أن ديننا الحنيف ينهى عن أذية الجار فكذلك يُرغب في الصبر على أذاه، وتحمل ما يصدر منه من قول أو فعل فيه أذى، ولا يقابل أذية جاره له بالمثل، فمن فعل ذلك نال محبة الله تعالى كما جاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال ” ثلاثة يحبهم الله، وذكر منهم ” ورجل له جار يؤذية فيصبر علي أذاه ويحتسبة حتي يكفية الله إياه بموت أو حياة” رواه أحمد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى