منوعات

الدكروري يكتب عن السمة البارزة في سيرة الرعيل الأول

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن السمة البارزة في سيرة الرعيل الأول

بقلم/ محمـــد الدكـــروري

 

لقد كانت الآداب والقيم، هما السمة البارزة في سيرة الرعيل الأول من سلف هذه الأمة، فقد أولوها اهتمامهم قولا وعملا وسلوكا وتصرفا، بل كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يهذب الجيل إذا ما وقعوا فيما يناقض الذوق والأدب، ويقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما “كان الناس يتعلمون الأدب قبل العلم” وقال عبد الله بن المبارك “نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم” فكان هذا دأبهم وديدنهم، لذا حازوا الأدب العالى والذوق الرفيع والعلم الوفير، فكانوا أحسن الناس أخلاقا، وأرفعهم أذواقا، وأكثرهم ندى، وأبعدهم عن الأذى، وقال صلى الله عليه وسلم ” تجدون أقربكم مني منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا والموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” المؤمن إلف مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ” وقد جعل رسول صلى الله عليه وسلم.

 

برنامج الإصلاح الإلهي للمجتمعات أن يبدأ من الأفراد قبل الجماعات، يبدأ بالإنسان أولا بإصلاح نفسه، وتقويمها على أخلاق كتاب الله، وقياسها بالأخلاق الكريمة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك يبدأ بإصلاح أهل بيته، زوجته وولده وبناته، ثم بعد ذلك الأقرب فالأقرب، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البرنامج النوراني ” إبدأ بنفسك ثم بمن تعول ثم الأقرب فالأقرب” فإذا كان الإيمان واليقين وعمل الصالحات، والاستقامة على الحق، وسلامة القلب من الأمراض الخبيثة، والاهتداء بهدي القرآن، كل ذلك من أسباب السعادة، فهناك أسباب أخرى فلا يفوتنك العلم بها والعمل، وإن العلم الشرعي هو باب واسع للسعادة وأهله أشرح الناس صدرا، وأوسعهم قلوبا، وأحسنهم أخلاقا، وأطيبهم عيشا.

 

أما الجهل فهو يورث الضيق والحصر والحبس وصدق الله “قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون” ومن أسباب السعادة أيضا هو دوام ذكر الله على كل حال، فبذكر الله تطمئن القلوب، وتورث الغفلة ألوانا من الضيق والعذاب، وهي طريق إلى موت القلوب “ومثل الذي يذكر الله والذي لا يذكره كمثل الحي والميت” ومصيبة أن يميت الإنسان نفسه وهو يعد في عداد الأحياء؟ وأعظم ممن ذلك أن يرضى المرء بقرين الشيطان عوضا عن الأنس بالله، وإن نفع الخلق والإحسان إليهم بالمال أو الجاه أو البدن كل ذلك يورث السعادة، فإن المحسنين الكرماء أشرح الناس صدرا وأطيبهم نفسا وأنعمهم قلبا، أما البخلاء فهم أضيق الناس صدرا وأنكدهم عيشا، فإذا أورث الكرم السعادة وانشراح الصدر، فكذلك الشجاعة تورث السعادة، فالشجاع منشرح الصدر.

 

واسع البطان، متسع القلب، والجبان أضيق الناس صدرا وأحصرهم قلبا وإن لذة الحياة وجمالها وقمة السعادة وكمالها لا تكون إلا في طاعة الله، ومهما ابتغيت السعادة بغير ذلك فهي وهم زائف، وما أهون الحياة الدنيا على الله وقد حكم على متاعها بالقلة مهما تكاثر أو تطاول في أعين الجاهلية “قل متاع الدنيا قليل” وحذارى أن تغرك سعادة لحظة عن السعادة الأبدية، أو تفتن بلذة عاجلة تعقبها ندامة آجلة، احذر أن تكون في حضيض طبعك محبوسا، وقلبك عما خلق له مصدودا منكوسا، حذار أن ترعى مع الهمل، أو تستطيب لقيعات الراحة والبطالة، وتستلين فراش العجز والكسل، فتبصر حين تبصر وإذا بجياد الآخرين قد استقرت في منازلها العالية وأنت دون ذلك بمراحل وتود الرجعة لتعوض ما فات ولكن هيهات، فكيف ترجو السعادة وتأمل النجاة ولم تسلك مسالكها.

 

وهل رأيت سفينة تجري على اليابس؟ فحاسب نفسك على الصلاة ولا تأمل السعادة وأنت ساه مضيع لها والله يقول “فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون” ولقد أخطأت الفهم حين قدرت أن سماع الغناء المحرم وسيلة لسعادة والأنس في هذه الحياة، وفي ذلك ضلال عن طريق الهدى والرشاد، ولقد جاء الإسلام رسالة إنسانية عالمية لكل الناس، وليس للعرب وحدهم، ومع أنهم طليعة الدعوة، بل هم فيه سواء مع كل الناس، وقد تحدد مكانتهم بالتقوى، وما يبذلونه في سبيل هذا الدين الذي شرّفهم الله تعالى به، ولقد عُني الإسلام بالأخلاق منذ بزوغ فجره وإشراقة شمسه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى