مقال

الدكروري يكتب عن الإبتلاء رحمة وإرتقاء

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإبتلاء رحمة وإرتقاء

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الابتلاء هو رحمة وفضل من الله تعالى وارتقاء، وينبغي للإنسان أن يرضى مما يقدره الله عليه من المصائب التي ليست ذنوبا، مثل أن يبتليه بفقر أو مرض أو ذل وأذى الخلق له، فإن الصبر على المصائب واجب، وإن الصبر هو حبس النفس عن التسخط بالمقدور، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن المعصية كاللطم وشق الثياب ونتف الشعر ونحوه، فمدار الصبر على هذه الأركان الثلاثة، فإذا قام به العبد كما ينبغي انقلبت المحنة في حقه منحة، واستحالت البلية عطية، وصار المكروه محبوبا، فإن الله سبحانه وتعالى لم يبتله ليهلكه، وإنما ابتلاه ليمتحن صبره وعبوديته، وكثير من الناس يتساءل لماذا ابتليت أنا بأمر معين، وربما لا قدر الله لا يصبر على هذا الابتلاء.

 

ولكن السبب أن الإنسان لا يعرف أين الخير وأين الشر فيما وقع عليه من ابتلاء، أما من يصبر فيتضح له بعد ذلك حقيقة الابتلاء، وما جر عليه من خير في الدنيا، وما سيحظى به من أجر، ودرجة رفيعة عند الله عز وجل إذا صبر في الآخرة، ولعلنا نأخذ من قصة الفراشة عبرة ودرسا لنا في حياتنا نصل فيه إلى أهمية الابتلاء في حياتنا، فقيل ذات يوم ظهرت فتحة في شرنقة عالقة على غصن، فجلس رجل لساعات يحدق في الفراشة الصغيرة، فجأة وهي تجاهد في دفع جسمها من فتحة الشرنقة توقفت الفراشة عن التقدم، فيبدو أنها تقدمت قدر استطاعتها، ولم تستطع أكثر من ذلك، فحينها قرر الرجل مساعدة الفراشة، فاخذ مقصا وفتح الشرنقة، وخرجت الفراشة بسهولة، ولكن جسمها كان مشوها وجناحيها منكمشان.

 

فظل الرجل ينظر متوقعا في كل لحظة أن تنفرد أجنحة الفراشة، وتكبر وتتسع، وحينها فقط يستطيع جسمها الطيران بمساعدة أجنحتها، لكن لم يحدث شيء من هذا، وفي الحقيقة لقد قضت الفراشة بقية حياتها تزحف بجسم مشوه وبجناحين منكمشين، ولم تنجح الفراشة في الطيران بعد ذلك، فلم يفهم الرجل مع طيبة قلبه ونيته الصالحة أن الشرنقة المضغوطة وصراع الفراشة للخروج منها، كانا من إبداع خلق الله لضغط سوائل معينة من الجسم إلى داخل أجنحتها، لتتمكن من الطيران بعد خروجها من الشرنقة، فأحيانا تكون الابتلاءات هي الشيء الضروري لحياتنا، ولو قدر الله لنا عبور حياتنا بغير ابتلاء أو صعاب، لتسبب لنا ذلك في الإعاقة، ولما كنا أقوياء كما ينبغي أن نكون، ولما أمكننا الطيران.

 

فهل فهمنا من قصة الفراشة أننا إذا لم نمر بالابتلاء لما تمكنا من الطيران والتحليق في سماء الحياة؟ فإن قضية الإنسان في القرآن قضية كبرى، فإن الله عز وجل يلاحق حياة الإنسان قبل أن تحمل به أمه، وقبل أن يكون نطفة، وقبل أن تضعه أمه على الأرض، ناشئا وصبيا، ثم طفلا، ثم شابا قويا، ثم رجلا، ثم كهلا، ثم ينتقل إلى الله، فقال الله تعالى فى سورة الأعراف ” إذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى” فهذا هو الميثاق الغليظ الذى أخذه الله تعالى على الناس وهم في أصلاب أبيهم آدم فدلهم على التوحيد، من هو ربكم؟ ومن هو إلهكم؟ ومن القادر الذي يخلقكم؟ ومن الذي يستحق العبادة؟ ثم تحملك أمك في بطنها تسعة أشهر فإذا الله عز وجل يرعاك ويحفظك.

 

ويجري لك الطعام والشراب وأنت في بطن أمك، ثم إذا وضعتك أمك، أجرى لك في ثديها لبنا دفيئا في الشتاء، باردا في الصيف، وألقى في فطرة أمك وأبيك حبا لك، فلا يناما حتى تنام، ولا يستريحا حتى تستريح، وأول ما يولد الإنسان يكون باكيا، ولم نسمع في تاريخ الإنسان أن ذكرا أو أنثى ولد وهو ساكت إلا نبى الله عيسى ابن مريم عليه السلام، فما بكى، أما نحن جميعا فقد بكينا يوم أتت بنا أمهاتنا، وقال بعض الفلاسفة بكى الإنسان لأنه خرج من السعة إلى الضيق، وقال آخر بكى الإنسان من هول الابتلاء ومن عظم المشقة، التي سوف يجدها من الضيق والغم والهم والحزن وقال آخر بكى الإنسان لأنه سوف يرى التكاليف أمام عينيه، فيقول تعالى فى سورة النحل ” والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا”

 

أبكم أصم أعمى لا يأكل ولا يشرب ولا ينطق فتولاه الله سبحانه، فيقول تعالى فى سورة النحل ” وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى