مقال

الدكروري يكتب عن المسجد في خلافة بنو أمية

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن المسجد في خلافة بنو أمية

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

لما تولى بنو أمية الخلافة، أصبح مقر الخلفاء في مكان سكناهم، وبقي المسجد مركز الإشعاع الروحي الذي يؤجج روح الجهاد، ولقد أحس القادة المسلمون بمكانة المسجد في الإسلام، وخاصة من الناحية العسكرية، بل ربما اعتبره البعض رمزا لسيادة الإسلام في البلدان التي ضمت المسلمين حيث كانوا يشرعون في بناء المسجد في كل بلد يفتحونها ليكون مقرا للدولة الإسلامية الجديدة، ومنطلقا لتعليم الدين الإسلامي، وإنشاء المسجد ظاهرة معروفة، في خطط القواعد الإسلامية الأولى ولم يكن إتباعها وليد الصدفة بل كان أثرا من آثار السياسة الموضوعة لإنشاء الأمصار الإسلامية في البلاد المفتوحة، وهي سياسة ترجع إلى عصر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ذاته.

 

حيث أمر أن يتخذ في كل بلد يُفتح مسجد للجماعة وللقبائل مساجد، وكما أن العواصم الإسلامية الجديدة تعتبر رمزا لظفر الإسلام، فكذلك المساجد الجامعة كانت تعتبر رمزا لسيادة الإسلام الروحية، ومبدأ للدين الجديد، والرسالة الجديدة، ولقد اعتنى الإسلام بالمسلمين من جميع نواحي الشخصية الإسلامية، الروحية والعقلية والجسدية، ولقد ظهرت عنايته هذه بتوجيهاته، وأهدافه التربوية التي اتصفت بالشمولية والتكامل والتوازن، فمن الأمور التي اهتم بها الدين الإسلامي النظافة في الملبس والبدن والمكان، وفي ذلك ما فيه من الصحة الجسدية من الأمراض والأوبئة وفيه من الصحة النفسية ما يجلب للنفس الراحة والطمأنينة والهدوء، وفي النظافة استئناس الآخرين، وعدم نفورهم.

 

لأن النفس تنفر من الأقذار والأدران أشد من نفورها من أي شيء آخر مهما عظم، وأثنى القرآن على أهل مسجد قباء والمسجد النبوي بحرصهم على التطهر، والصلاة ليست عبادة روحية فحسب، إنها نظافة وتطهر، وتزين وتجمل، اشترط الله لها تطهير الثوب والبدن والمكان من كل خبث مستقذر، أوجب التطهر بالغسل والوضوء، حيث قال الله تعالى “يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد” والمقصود عند تهيئكم للصلاة لا بد أن تتزينوا، ومن السنة أن يغتسل المصلي ويتطيب، ويلبس أحسن ما عنده، ولا يمضي إلى المسجد في ثياب مهنته، خاصة إذا كانت مهنته تترك أثرا في الثياب، كما استحب للمصلي أن يتسوك عند كل صلاة باعتبار السواك مطهرة للفم، فعن السيدة عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال.

 

“لولا أن أشق على أمتي، لأمرتهم بالسواك مع الوضوء عند كل صلاة” ويبدو لنا من الحديث حرص الإسلام على استخدام السواك وذلك لما فيه من الفائدة الصحية للبدن عن طريق تنظيف الفم والأسنان، وعموما فهذه الفوائد الصحية من آثار الوضوء والسواك تعود على الجسد بالصحة أو الوقاية من المرض، وهناك جانب نفسي يعود على النفس من التردد على المسجد، وفي داخل المسجد، وقبل هذا أثناء تأهب المصلي للذهاب إلى المسجد، وفي الصلاة راحة نفسية عظيمة، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، والصلاة التي تذهب الهم والحزن ويجد فيها المصلي الراحة النفسية التي ينشدها من همومه وضيق صدره إنما هي الصلاة التي تتم بخشوع وتضرع إلى الله بعد اكتمال شروطها وواجباتها.

 

حتى يصل العبد إلى درجة الاتصال، بخالقه، حيث قال الله تعالى ” ألا بذكر الله تطمئن القلوب ” وذكر الله له أثر كبير في تربية النفس وتعديل السلوك، فالذي يذكر الله عز وجل، ويتصور عظمته وجلاله يخشع قلبه، ويحسب لملاقاته كل حساب، فلا يصدر عنه من الأفعال إلا كل خير، ومن ذلك لا يتسرب إلى نفسه القلق والاكتئاب، وما شابه ذلك من الأمراض النفسية، ويظهر لنا مما سبق مدى اهتمام الإسلام بالصحة الجسدية والنفسية من خلال الصلاة، ولذا فقد حرص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أداء الصلاة كما أرادها الإسلام لما وجدوه من الفائدة الكبرى في صحة أجسادهم، وراحة نفوسهم بأدائهم لها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى