مقال

الدكروري يكتب عن المواساة لأصحاب القلوب المنكسرة

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن المواساة لأصحاب القلوب المنكسرة

بقلم/ محمـــد الدكـــروري

 

إنه تشتد الحاجة إلى المواساة لأن أصحاب القلوب المنكسرة كثيرون، نظرا لشدة الظلم الاجتماعي في هذا الزمان، فهذه معلقة لا هي زوجة ولا هي مطلقة، وهذه أرملة، وذاك مسكين، وهذا يتيم، والآخر عليه ديون وغم وهم، وهذا لا يجد جامعة، وهذا لا يجد وظيفة، وهذا لا يجد زوجة، أو لا يجد زواجا، المواساة تطييب الخاطر بكلمة ذكر، أو دعاء، أة موعظة، أو مال، أو مساعدة، أو جاه، أو قضاء حاجة، والكلمة الطيبة صدقة، وقال ابن القيم، جئت يوما مبشرا لابن تيمية بأكبر أعدائه، وأشدهم عداوة له وأذى، فنهرني، وتنكر لي، واسترجع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله، أهل الميت فعزاهم، وقال إني لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه، فسُروا به ودعوا له.

 

أصحاب الأخلاق العالية يواسون حتى أهل عدوهم الذي كاد لهم وحسدهم وبغى عليهم وغلبهم، وقال أحمد بن عبد الحميد الحارثي ما رأيت أحسن خلقا من الحسين اللؤلؤي، كان يكسو ممالكيه كما يكسو نفسه، فالخادم هذا جاء من بعيد، في نفسه انكسار من الغربة، فلا أقل من أن يطيّب خاطره بشيء يشعره بأن من حوله له أهل، وتطييب الخواطر له أثر كبير على النفوس، يمسح المعاناة، ويصبّر، ويقوي القلب في مواجهة الشدائد، ويمنع من الانهيارات النفسية، والسكتات، والجلطات، والناس إذا ورد عليهم الوارد القوي وقلوبهم فيها ضعف ينهارون، وقد يموتون، وإن عكس تطييب الخاطر تماما هو التشفي، فترى بعض أصحاب النفوس المريضة يفرح برسوب أولاد الجار، أو تطاول الأبناء على أبيهم.

 

أو مصيبة أحد زملائه في العمل، تفرح الضرة لما أصاب ضرتها، أو الموظفة لما أصاب زميلتها في العمل من الطلاق، كيد، وحسد يدفع للتشفي، هذه من صفات المنافقين، فقال الله تعالى فى سورة آل عمران ” إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها” فإن هذه المواساة، وهذا التطييب الناس بحاجة إليه عند فقد الأحبة، والنبي صلى الله عليه وسلم حينما ذهب يعزي صحابيا على فقد ولده الوحيد، الذي كان يأتي ويلعب في حجره في الدرس، أيسرك أنه عندك؟، أو أنك لا تأتي إلى باب من أبواب الجنة إلا ووجدته قد فتحه سبقك إليه يفتحه لك” وحين توفيت بنت المهدي الخليفة، جزع جزعا لم يسمع بمثله، فجاء الناس يعزونه بلا فائدة، حتى جاء رجل.

 

فقال له أعطاك الله يا أمير المؤمنين على ما رزئت أجرا، وأعقبك خيرا، ولا أجهد بلاءك بنقمة، ولا نزع منك نعمة، ثواب الله خير لك منها، ورحمة الله خير لها منك، فلم يروا تعزية أبلغ، ولا أوجز منها، وعزى أعرابيا رجل فقد ولده، وكان اسم الولد العباس، فقال له خير من العباس أجرك بعده والله خير منك للعباس فإذن صبرك عليه خير من بقائه عندك، وما عند الله خير له مما عندك، هذا يُذهب ثلاثة أرباع الحزن، المواساة الجميلة، والتعزية الحسنة، ثم من تطييب الخاطر أن يقبل الإنسان عذر المعتذر الذي أخطأ عليه، فاقبل معاذير من يأتيك معتذرا، إن بر عندك فيما قال أو فجرا، فحتى لو كذب في الاعتذار، فقد أطاعك من يرضيك ظاهره وقد أجلك من يعصيك مستترا.

 

فإن قبول الاعتذار من تطييب الخواطر، وإهداء الهدية من تطييب الخواطر، فقال أنس بن مالك لأولاده يا بني تبادلوا بنيكم، فإنه أود لما بينكم، وكذلك بشاشة، وطلاقة وجه، وقضاء حاجة، لا يأنف المؤمن أن يمشي مع الأرملة والمسكين، وقال حكيم ما أصبحت قط صباحا لم أر طالب حاجة إلا أعددتها مصيبة، ترك قضاء حقوق الإخوان مذلة، وفي قضاء حقوقهم رفعة، وقيل أن بقيّ بن مخلد الإمام المصنف في الحديث العظيم مشى مع ضعيف في مظلمة إلى اشبيلية، ومشى مع آخر إلى إلبيرة، ومع امرأة ضعيفة إلى جيان، وهذه من مدن الأندلس، من بلد إلى بلد مشى، فإن تطييب خاطر المشارك في الخير حتى لو كانت مشاركته يسيرة بدعاء، وحسن قبول، إن ذلك مما يرفع من معنوياته، ومما يحمسه على الخير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى