مقال

الدكروري يكتب عن الشجاعة الأدبية

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الشجاعة الأدبية

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

لقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم جالسا وكان يجلس عن يمينه يوما الغلام عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وعن يساره أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فيشرب النبي صلى الله عليه وسلم ثم يستأذن ابن عباس أن يناول الإناء الصديق أي يقدمه عليه فيرفض ابن عباس أن يؤثر بنصيبه من رسول الله صلي الله عليه وسلم أحدا، وإن كان يكبره في السن والفضل، فيتربى الغلام على الشجاعة الأدبية والجرأة في الحق، وهكذا حتى يصير حبر الأمة وترجمان القرآن، وهذا هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان عمره إحدى عشرة سنة تقريبا حين قَدِم النبي صلي الله عليه وسلم المدينة ، وكان يحضر مجالس الكبار ويحضر مناسبات المسلمين في المدينة، فلما كبر أصبح علما من أعلام المسلمين.

 

وهو الذي يقول كنا عند رسولِ الله صلي الله عليه وسلم فقال “أخبروني بشجرة تشبه المسلم أو كالرجل المسلم، لا يتحات ورقها” قال ابن عمر فوقَع في نفسي أنها النخلة، ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان فكرهت أن أتكلم، فلما لم يقولوا شيئا قال رسول الله صلي الله عليه وسلم “هي النخلة” فلما قمنا قلت لعمر يا أبتاه، والله لقد كان وقَع في نفسي أنها النخلة، فقال ما منعك أن تكلم؟ قال لم أركم تكلمون فكَرهت أن أتكلم أو أقول شيئا، قال عمر لأن تكون قلتَها أحب إلَيّ من كذا وكذا” رواه البخاري، ومسلم، وهكذا يشجعه أبوه ويعوده تحمل المسؤولية، ويصبح عبد الله واحدا من أعلام المسلمين حتى فكر بعض المسلمين عند طعن عمر أن يتولى الخلافة ولده عبد الله بن عمر، فجميل أن يرزق المسلم قلبا رقيقا.

 

وجلا من ربه عز وجل، يتحسس زلله وتقصيره في جنب الله سبحانه وتعالى، ويتأسى على ما فرط منه في سابق أيامه وزمانه، فذلك علامة قبول وأمارة فضل من الله عز وجل، فقد أثنى الله سبحانه على من هذا حاله فقال عز وجل فى سورة التوبة ” الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أضابهم والمقيمى الصلاة ومما رزقناهم ينفقون” وعن عقبة بن عام قال، قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال صلى الله عليه وسلم ” أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابكى على خطيئتك” رواه الترمذي، ولكن يمكن أن تنقلب هذه النعمة إلى نقمة أو خطيئة أخرى، إذا لم يراعى العبد أيضا ما أمر الله عز وجل به، في حال الخوف وحال الرجاء، وحال الطاعة والمعصية أيضا، فإذا تمكن اليأس والقنوط من القلب بسبب شدة الخوف.

 

صار ذلك ذنبا جديدا، وإذا وقع العبد في سوء الظن بالله، أو بدأ يتقاعس عن العبادة والدعاء وانقطع رجاؤه من الله عز وجل، فليتأكد حينئذ أن الشيطان تمكن منه، ودخل إليه من باب جديد، والعاصم من جميع ذلك هو الاستقامة على الحال التي أثنى عليها الله في القرآن الكريم، وهي حال الخوف من الله، من غير أن يؤول المقام إلى حد الوسواس أو الإحباط أو الاكتئاب عن كل أمل في حياة سعيدة في الدنيا والآخرة، وهذا فضلا عن أن سعة رحمة الله ولطفه بعباده اقتضت أن لا يحاسب ابن آدم حتى يبلغ سن الاحتلام، وهو سن الخامسة عشرة، أو هو السن الذي تظهر عليه علامات البلوغ، من نبوت شعر العانة أو إنزال المني، أو الحيض للنساء، فكل ما يقع قبل هذا السن لا حساب عليه ولا عذاب.

 

وإنما يؤاخذ به بين الناس تربية وتأديبا، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” رفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق” رواه أبوداود، ومن الأخلاق الحسنة التي حث عليها المصطفى صلى الله عليه وسلم خلق الحياء، فالحياء من الله والحياء من الناس فروى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” دعه فإن الحياء من الإيمان” متفق عليه، وعن عمران ابن حصين رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” الحياء لا يأتي إلا بخير ” متفق عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى