مقال

الدكروري يكتب عن التأفف والتضجر في وجه الوالدين

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن التأفف والتضجر في وجه الوالدين

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ﺭُﻭﻱ ﺃﻥ أعرابيا ﻗﺎﻝ للإمام ﻋلي بن أبي طالب رضي الله عنه ﻋﺪّد ﻟﻨﺎ ﺃﺧﻼﻕ ﺭﺳﻮﻝ الله صلى الله عليه وسلم، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ الإمامﻋﻠﻲ بن أبي طالب رضي الله عنه ﻫﻞ ﺗﻌﺮﻑ ﺍﻟﻌﺪّ ؟ ﻗﺎﻝ ﻧﻌﻢ ﻓﻘﺎﻝ علي رضي الله عنه “ﻋﺪ ﻟﻲ ﻣﺘﺎﻉ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ؟ ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻷﻋﺮﺍﺑﻲ ﻣﺘﺎﻉ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻻ ﻳُﻌد، ﻓﻘﺎﻝ الإمام ﻋﻠﻲ رضي الله عنه ﻋﺠﺰﺕ ﻋﻦ ﻋﺪ ﺍﻟﻘﻠﻴﻞ، ﺇﺫ ﻳﻘﻮﻝ الله تعالى في سورة النساء ” قل متاع الدنيا قليل” ﻭﻃﻠﺒت مني ﻋﺪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ، حيث ﻳﻘﻮﻝ تعالى في سورة القلم ” وإنك لعلي خلق عظيم” وإن من بر الوالدين بعد وفاتهما هو قضاء ما لزمهما من صيام رمضان، فقد يفطر أحد من الوالدين لعذر كالمرض، أو السفر، أو الحيض والنفاس بالنسبة للأم، فإن ماتا قبل قضاء ما عليهما من الصوم، صام عنهما وليهما من الأبناء أو الأقارب.

 

فإن كان سبب الإفطار مرضا مزمنا أطعم الأبناء عنهما عن كل يوم مسكينا ومن بر الوالدين بعد وفاتهما هو التصدق عنهما بأي نوع من الصدقة، كالإطعام أو النقود أو اللباس أو غير ذلك مما يدفع للفقراء والمساكين وكما أن من حقوق الوالدين على الأبناء هو اجتناب عقوقهما والإساءة إليهما فإذا كان بر الوالدين والإحسان إليهما واجبا على الأبناء، فإن عقوق الوالدين والإساءة إليهما محرّم على الأبناء وقد حذر الله تعالى من العقوق في أدنى صوره، وأقل أشكاله وألوانه، فقال عز وجل ” فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما” فإذا كان التأفف والتضجر في وجه الوالدين عقوقا محرما، فما بلك بالسب والشتم والإهانة والضرب والقتل، الذي يتعرض له الوالدان من قبل الأبناء العاقين المنحرفين.

 

أبالعقوق والجحود تكون مكافأة الوالدين الذين لطالما عاشا لحظاتٍ حاسمة في هذه الحياة ينتظران تفوق ابنهما ونجاحه، وتخرّجه وزواجه، ثم بعد أن يشبّ ويشقّ طريقه في هذه الحياة يترقبان بكل شوق ولهف ماذا سيكون جزاء الأعمال التي قدماها؟ وبماذا سيكافئهم جزاء تضحياتهم وجهودهم وآلامهم؟ هل سيقابل الإحسان بالإحسان؟ أم سيذهب كل ذلك أدراج الرياح؟ ويكون جزاء الإحسان هو العقوق والنكران؟ ولكن اعلم أيها الأب الكريم، إنه إذا أحبك أولادك واحترموك فإنهم سوف يجدون في تلبية رغباتك وتنفيذ طلباتك، حتى لو كان ذلك يتصادم ورغباتهم وما يحبونه، وكذلك أيضا فإن البرامج الجماعية تفتقر إلى تفاعل الفرد معها تتاح للإنسان مناسبات وفرص جماعية، تحقق له قدرا كبيرا من الاستفادة.

 

لكنه لا يمكن أن يستفيد منها ما لم يتفاعل معها، فقال الله عز وجل “أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها” فالماء النازل من السماء واحد، لكن الأدوية تتفاوت فيما تحمله منه، فكل واد يحمل على قدر سعته، وهكذا القلوب تتفاوت بما تتلقاه من وحي الله عز وجل، وتتفاوت في أثر هذا الوحي عليها كما تتفاوت هذه الوديان، وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم الوحي الذي أتى به وتلقي الناس منه تشبيها قريبا من ذلك، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم”مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا.

 

وأصابت منها طائفة أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به” متفق عليه، ويحدثنا القرآن الكريم عن نماذج من نتاج تخلف التربية الذاتية فيقول تعالي “وضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين” ولقد كانت هاتان المرأتان زوجتين لنبيين من أنبياء الله، ولابد أن نوحا ولوطا عليهما السلام بذلا معهما جهدا في دعوتهما إلى الدخول في دين الله تعالى، ولكن حين لم يكن منهما مبادرة ذاتية لم ينتفعا بذلك الجهد وتلك الدعوة، ويبذل الرسول صلى الله عليه وسلم جهده مع عمه أبي طالب حتى عند مرض الموت، وحين لم يكن من أبي طالب مبادرة ذاتية لم يستفد من الجهد الذي بُذل له.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى