مقال

الدكروري يكتب عن ترسيخ المواساة بين المؤمنين

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن ترسيخ المواساة بين المؤمنين

بقلم / محمــــد الدكــــروري

 

إن الله عز وجل هو مؤنس كل وحيد، وصاحب كل فريد، وقريب غير بعيد، وشاهد غير غائب، وغالب غير مغلوب، وصريخ المستصرخين، وغياث المستغيثين، وعماد من لا عماد له، وسند من لا سند له، عظيم الرجاء، منقذ الهلكى، منجي الغرقى، المحسن المجمل، مبدئ النعم قبل استحقاقها، فسبحانه وتعالي خلق المخلوقات، وأوجد الموجودات وصور الكائنات، وخلق الأرض والسموات، وخلق الماء والنبات، فسبحانه وتعالي حي لا يموت، لم يسبق وجوده عدم، ولا يلحق بقاءه فناء، وله وحده البقاء والدوام، الحي الموجود الواجب الوجود، الباقي في أزل الأزل إلى أبد الأبد، وكل شيء هالك إلا وجهه سبحانه، وعن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال.

 

لما أقبل عمرو بن العاص من الحبشة من عند النجاشي إلى مكة اشتد المشركون على المسلمين كأشد ما كانوا حتى بلغ المسلمين الجهد واشتد عليهم البلاء، وعمد المشركون من قريش فأجمعوا مكرهم وأمرهم على أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم علانية فلما رأى ذلك أبو طالب جمع بني عبد المطلب فأجمع لهم أمرهم على أن يدخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبهم ويمنعوه ممن أراد قتله فاجتمعوا على ذلك كافرهم ومسلمهم منهم من فعله حمية ومنهم من فعله إيمانا ويقينا، فلما عرفت قريش أن القوم قد اجتمعوا ومنعوا الرسول صلى الله عليه وسلم واجتمعوا على ذلك كافرهم ومسلمهم اجتمع المشركون من قريش فأجمعوا أمرهم.

 

على أن لا يجالسوهم ولا يخالطوهم ولا يبايعوهم ولا يدخلوا بيوتهم حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل وكتبوا بمكرهم صحيفة وعهودا ومواثيق وعلقوها بالكعبه، وكان فيها أن لا يقبلوا من بني هاشم أبدا صلحا ولا تأخذهم بهم رأفة ولا رحمة ولا هوادة حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل فلبث بنو هاشم في شعبهم ثلاث سنين واشتد عليهم فيهن البلاء والجهد وقطعوا عليهم الأسواق فلا يتركون طعاما يدنو من مكة ولا بيعا إلا بادروا إليه ، ليقتلهم الجوع يريدون أن يتناولوا بذلك سفك دم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال سمعت عمر بن الخطاب يخطب فذكر ما فتح على الناس.

 

فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتوى يومه من الجوع ما يجد الدقل” والدقل هو الرديئ من التمر ” ما يملأ به بطنه ” رواه مسلم، ولننظر جميعا إلى النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عندما هاجر هو أصحابه إلى المدينه وإلى خلق المساواه، وكان خلق المواساة متقدما على كثير من الشرائع في الإسلام، وأكبر مظهر للمواساة ما عمله النبي صلى الله عليه وسلم فور هجرته إلى المدينة من المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، فعزم بعض الأنصار على الانخلاع من نصف أموالهم لإخوانهم، ودونت في سيرهم أعاجيب من آثار هذه المؤاخاة، ولم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بالمؤاخاة لترسيخ المواساة بين المؤمنين.

 

بل كان يتحين الفرصة تلو الأخرى ليذكرهم بالمواساة، ويحثهم عليها، ويدعوهم إليها، ففي شأن المنائح التي تحلب، يدعو النبى الكريم صلى الله عليه وسلم إلى المواساة فيها لأن غذاء الناس عليها، فيقول صلى الله عليه وسلم ” ألا رجل يمنح أهل بيت ناقه تغدو بعس وتروح بعس إن أجرها لعظيم ” رواه مسلم، ولم يكن الجوع في جزيرة العرب مقتصرا على عصر النبي صلى الله عليه وسلم بل استمر إلى ما بعد ذلك، ففي زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفى أواخر سنة السابع عشر هجريا حلت بالمسلمين مجاعة عظيمة في عام سمي بعام الرمادة، وقيل إن سبب تسميته بذلك لاسوداد الأرض من شدة القحط حتى أضحت كالرماد.

 

أو لأن ألوان الناس اسودت من الجوع كالرماد، وقيل غير ذلك، ويقال أنه كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه، أبيض اللون فلما كان عام الرمادة وهي سنة المجاعة ترك أكل اللحم والسمن وأدمن أكل الزيت حتى تغير لونه، وكان قد أحمر فشحب لونه، وعن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال ” كانت الرمادة جوعا شديدا أصاب الناس بالمدينة وما حولها، حتى جعلت الوحوش تأوي إلى الإنس، وحتى جعل الرجل يذبح الشاة فيعافها من قبحها، وإنه لمقفر” رواه الطبراني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى