مقال

الدكروري يكتب عن الأسرة وبيت العنكبوت

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الأسرة وبيت العنكبوت

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن من أبرز معالم المنهج الذي رسمه الإسلام في حقوق الزوجين، هو التعاون على جلب السرور ودفع الشر والحزن ما أمكن، والتعاون على طاعة الله والتذكير بتقوى الله، واستشعارهما بالمسؤولية المشتركة في بناء الأسرة وتربية الأولاد، وألا يفشي أحدهما سر صاحبه، وألا يذكر قرينه بسوء بين الناس سواءً كان الشخص قريبا أم بعيدا، حتى والديك أو والديها فإن المشاكل البيتية تحل بسهولة ويسرّ ما لم تخرج المشكلة خارج البيت حينها يصعب حلها وتتعقد أكثر وأكثر، وقد روى الإمام مسلم في صحيحه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال “إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتقضي إليه ثم ينشر أحدهما سر صاحبه”

 

فإن هذه الأمور إذا التزمتموها في حياتكم الزوجية تطبيقا وتنفيذا، كانت المحبة رائدكم، والتعاون سبيلكم، وإرضاء الله سبحانه وتعالى غايتكم، وكما أن تربية أولادكم على الإسلام هدفا أساسيا من إهدائكم، بل عاش الواحد منكم مع زوجه في الحياة كنفس واحدة في التصافي والتفاهم والمودة، وإن من الإشارات الكونية في سورة العنكبوت التأكيد على قدرة الله سبحانه وتعالى في بدء الخلق وإعادة خلقه مرة أخرى، كدورة الحياة والتناسل والموت، وتأمل صفحات الكون من خلال دراسة علوم الأرض للتعرف على بدء الخلق، وأن النشأة في الدار الآخرة ستتبع نفس النظام وتسير في نفس الخطى، وأن بيت العنكبوت هو أوهن وأضعف البيوت.

 

على الصعيدين المادي والمعنوي، ولكن الخيط الحريري، الذي تحيك به العنكبوت بتفنن شبكتها، هو في الحقيقة مجموعة خيوط ملتفة على بعضها، فسمك شعرة الإنسان يزيد عن سمك خيط العنكبوت بمئات المرات، إلا أن هذه الخيوط، اللينة والقابلة للتمطيط بعشرين في المائة من حجمها دون أن تتمزق، ورغم شدة رقتها وشفافيتها، وهى تعد أصلب الألياف الطبيعية على الإطلاق، ولها قوة تحمل للضغط أقوى حتى من قوة تحمل الفولاذ، ولذلك يطلق عليها الفولاذ البيولوجي، وأنثى العنكبوت هي التي تقوم بنسج هذا الخيط الحريري، بواسطة ثلاثة مغازل أسفل البطن، متصلة بغدد صغيرة، تفرز المادة التي تتشكل منها الخيوط.

 

وتقوم أنثى العنكبوت بهندسة الشبكة ونسجها، بمهارة عالية، بخيوط منحنية أو مستقيمة، بترتيب متناسق المسافات فيما بينها، على شكل دائري أو ثلاثي رائع التصميم، حيث تستخدم ضغط بطنها، لتدفع الخيوط الحريرية إلى خارج الغدد الست الموجودة في بطنها، وتقوم بربط طرف الخيط الأول، المعروف باسم الجسر، بساق عشبة ما أو ورقة شجر، ثم تهبط إلى الأرض مع الخصلة، وهي مستمرة بعملية الحياكة، ثم تنزل إلى الأرض وتصعد إلى نقطة أخرى مرتفعة، لتسحب الخيط بقوة، وتربطه في مكانه جيدا باستخدام مادة لاصقة تخرج من إحدى غددها أيضا، وهكذا هو دور العنكبوت، فكانت وهذه وقفة مع قضية من أخطر القضايا الأسرية، نشخص فيها ظاهرة من أخطر الظواهر الاجتماعية.

 

التي لها آثارها السلبية على الأفراد والأسر والمجتمع والأمة، تلكم هي ظاهرة التفكك الأسري والخلل الاجتماعي الذي يوجد في كثير من المجتمعات اليوم، مما يُنذر بشؤم خطير وشر مستطير، يُهدد كيانها، ويزعزع أركانها، ويصدّع بنيانها، ويُحدث شروخا خطيرة في بنائها الحضاري ونظامها الاجتماعي، مما يهدد البُنى التحتية لها، ويستأصل شأفتها، وينذر بهلاكها وفنائها، فيجب أن نعلم أن الترابط الأسري والتماسك الاجتماعي ميزة كبرى من مزايا شريعتنا الغراء، وخصيصة عظمى من خصائص مجتمعنا المسلم المحافظ، الذي لحمته التواصل، وسُداه التعاون والتكافل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى