مقال

الدكروري يكتب عن المناظرة واستعراض الآراء

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن المناظرة واستعراض الآراء

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إنه لا يكمل إيمان عبد، ولا يستقيم حتى يؤمن بالقدر خيره وشرّه، ويعرف أن من صفته تعالى أن يُقدر ويلطف، ويبتلي ويخفف، ومن ظن انفكاك لطفه عن قدره، فذلك لقصور نظره وعن الوليد بن عبادة قال دخلت على أبي وهو مريض أتخايل فيه الموت، فقلت يا أبتاه أوصني واجتهد لى؟ فقال اجلسوني ، فلما أجلسوه، قال يا بني إنك لن تجد طعم الإيمان، ولن تبلغ حقيقة العلم بالله سبحانه وتعالى حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، قلت يا أبتاه وكيف لي أن أعلم ما خير القدر وشره؟ قال تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن الجدال يقصد به المحاجة أو المناظرة واستعراض الاراء المدعومة بالحجج والبراهين التى تدعم رأى أحد المتجادلين، أو تدعم وجهة نظره على نظيره الاخر.

 

وقد جاء ذكره فى القرآن الكريم تارة بلفظ الجدال وأخرى بلفظ التحاج وثالثة بلفظ المراء، والمتأمل لمصدرى التشريع الإسلامى يجد أن النصوص تتعامل معه تارة على أنه مباح ومحبوب وأخرى على أنه مذموم ومكروه، والأصل فى الجدال أنه مذموم لورود أكثر الايات فى ذمه، ويمكن أن نستخلص سمات وشروط الجدال المباح وهى أن يرجى من المجادل عدم العناد واتباع الهوى، بل تبدوا عليه أمارات التجرد وعلامات التعقل، أما المعاندين المكابرين فجدالهم مذموم محظور، وقد كان أبو قلابة يقول ” لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم ؟ فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة، أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم ” وجاء رجل إلى الحسن فقال يا أبا سعيد.

 

تعالي حتى أخاصمك في الدين” فقال الحسن ” أما أنا فقد أبصرت ديني، فإن كنت أضللت دينك فالتمسه ” وكان عمران القصير يقول ” إياكم والمنازعة والخصومة، وإياكم وهؤلاء الذين يقولون ” أرأيت أرأيت ” ويجب أن يكون الجدال بالتى هى أحسن من الرفق ولين الجانب وعدم التعالى والغرور، وإلا كان مذموما، لأنه سيؤل الى مفاسد عظيمة وأضرار بالغة، أن يكون عن علم وبصيرة بموضوع الجدال، وإلا كان ممقوتا وكان شره مستطيرا أن يكون موضوعه ذو قيمة، وأن يبتغى من طرحه للحوار جدوى وفائدة عامة، كدفع ضرر شديد أو استجلاب خير وفير، وقال صلى الله عليه وسلم “جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم” ويجب أن يبحث فى جوهر الأمور.

 

ولا يتطرق الى ثناياها، وأن يكون فى صلب الموضوع ولا يحيد الى النقاط الفرعية كما قال تعالى “إلا مراء ظاهرا” وهذا هو الحوار البناء الذى يخاطب العقل ويلتمس الإقناع، ويتمثل فى الدعوة الى الله وائتلاف قلوب العباد وترغيبهم فى الخير وفضائلة، وتنفيرهم من الشر وغوائله، والأمر بالمعروف بمعروف، والنهى عن المنكر بلا منكر، والحض على فعل الواجبات واجتناب المنهيات، ويشيع هذا النوع فى الأوساط العلمية، بين العلماء بعضهم البعض، وبين الدعاة وبين أهل الديان الأخرى، ومن سمات هذا النوع أن صاحبه يبحث دائما عن نقاط الاتفاق ويبنى عليها، ولا يركز على مواطن الخلاف ليقيم عليها، فتتسع الفجوة وتزداد الهوة وينشأ التنافر، بما يفضى فى النهاية الى الكراهية والخصام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى