مقال

الدكروري يكتب عن عدم التعامل مع الناس بكبر

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن عدم التعامل مع الناس بكبر

بقلم/ محمـــد الدكـــروري

إن الشهداء هم من الشفعاء الذين اختصهم الله تعالى بقبول شفاعتهم، وكما أن الصالحين من المؤمنين يشفعون لإخوانهم الذين دخلوا جهنم فيناجون الله تعالى في طلب الشفاعة لهم، وقد بيّن ذلك النبي الكريم صلي الله عليه وسلم حيث قال ” يقولون ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومونَ معنا ويحجون معنا فأدخلتَهم النار فيقول اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم” وإن من طرق السعادة هو عدم التعامل مع الناس بكبر، وقد قال العلامة ابن القيم رحمه الله الكبر أثر من آثار العجب، والبغي من قلب قد امتلأ بالجهل والظلم، ونظره إلى الناس شزر، ومشيه بينهم تبختر، ومعاملته لهم معاملة الاستئثار، لا الإيثار ولا الإنصاف، ذاهب بنفسه تيها، لا يبدأ من لقيه بالسلام، وإن ردّ عليه، رأى أنه قد بالغ في الإنعام عليه، لا ينطلق لهم وجهه، ولا يسعهم خلقه. 

لا يري لأحد عليه حقا، ويرى حقوقه على الناس، ولا يري فضلهم عليه، ويري فضله عليهم، لا يزداد من الله إلا بُعدا، ولا من الناس إلا صغارا وبغضا، وأيضا من طرق السعادة هو الصبر على أذاهم، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أن الإنسان لا بد له من أن يعيش مع الناس، والناس لهم أرادات وتصورات، يطلبون منه أن يوافقهم عليها، وإن لم يوافقهم آذوه وعذبوه، فمن هداه الله وأرشده، امتنع من فعل المحرم، وصبر على آذاهم، وعداوتهم، ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة، كما جرى للرسل وأتباعهم، مع من آذاهم، وعاداهم مثل المهاجرين في هذه الأمة ومن ابتلي من علمائها وعُبادها وتجارها ووُلاتها، وأيضا من طرق السعادة هو اعتزالهم في الشر وفضول المباح، وإن من طرق السعادة هو اعتزالهم في الشر وفضول المباح. 

وقد قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله، أن مخالطة الناس وخصوصا العوام، ينسي الرحيل عن الدنيا، ويجلب الكسل عن الطاعة، والبطالة، والغفلة، والراحة، فيثقل على من ألف مخالطة الناس، التشاغل بالعلم، أو بالعبادة، ولا يزال يخالطهم حتى تهون عليه الغيبة، وتضيع الساعات في غير شيء، وقال رحمه الله ما رأيت أكثر أذى للمؤمن من مخالطة من لا يصلح، فإن الطبع يسرق، فإن لم يتشبه بهم، ولم يسرق منهم فتر عمله، وقال الإمام ابن القيم رحمة الله والضابط النافع في أمر الخلطة أن يخالط الناس في الخير، ويعتزلهم في الشر وفضول المباحات، وإن دعت الحاجة إلى خلطتهم في فضول المباحات، فليجتهد أن يقلب ذلك المجلس طاعة لله، إن أمكنه، ويشجع نفسه، ويقوي قلبه، ولا يلتفت إلى الوارد الشيطاني القاطع له في ذلك. 

وأيضا من طرق السعادة هو الاستغناء عن الناس، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية أعظم ما يكون العبد قدرا وحرمة عند الخلق إذا لم يحتج إليهم بوجه من الوجوه، فإن أحسنت إليهم، مع الاستغناء عنهم، كنت أعظم ما يكون عندهم ومتى احتجت إليهم ولو في شربة ماء نقص قدرك عندهم بقدر حاجتك إليهم، وأيضا من طرق السعادة هو التعامل مع الناس على أنهم مختلفين في طباعهم، فمن أراد أن يتعامل مع غيره، فلا بد له أن يعرفه معرفة جيدة، وعلى ضوء هذه المعرفة يكون التعامل معه، ومن أراد أن يتعامل مع الناس، فلا بد له من معرفة أنهم مختلفين في نواح شتى، فالناس مختلفون في الخُبث والطيب واللين والشدة، ومن آيات الله الدالة على عظمته، وكمال اقتداره، خلق الناس مختلفين في ألوانهم وألسنتهم، فمع كثرة الناس منذ أن خلق الله الخلق.

فإنه لا يوجد صوتين متفقين من كل وجه، ولا لونين متشابهين من كل وجه، فقال الله سبحانه وتعالى فى سورة الروم “ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن فى ذلك لآيات للعالمين” وقال العلامة السعدي رحمه الله هذا من عنايته بعباده، ورحمته بهم أن قدر ذلك الاختلاف، لئلا يقع التشابه، فيحصل الاضطراب ويفوت كثير من المقاصد والمطالب، والناس كما أنهم مختلفون في ألوانهم، ولغاتهم التي لا يعلمها إلا الله جل جلاله فهم كذلك مختلفون في طباعهم، فمنهم الطيب والخبيث، واللين والشديد، وبين ذلك، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إن الله عز وجل خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب والسهل والحزن وبين ذلك” رواه أبو داود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى