مقال

أي مستقبل للبشرية؟

جريدة الاضواء

أي مستقبل للبشرية؟
كتب / يوسف المقوسي

الإنسانية مشروع مستحيل. من المستحسن الإقلاع عن أفيون الأمل. عبث البحث عن خلاص، عن حرية، عن عدالة، عن مساواة… عبث أن يتخلى غيلان الرأسمالية، عن مصادرة الراهن واحتكار المستقبل. عبث أن نكون بشراً. سنكون، كما كانت البشرية دائماً، حرب مطاردة للأمل والسلام والحياة. المسار الأممي، سيفرض على الشعوب عقيدة العبودية الناعمة، والإيمان بفضيلة الإستسلام، والتسليم بعقيدة الاسواق، وتنمية وتضخيم الاستهلاك؟ ليس على الناس أن يفكروا, الافكار جاهزة وساحرة وخرافية و…انتقائية.

وليس على الناس أن تجترح. التقليد مريح. القناعة كنز لا يفنى. الخلاص يكون بالرضوخ والقبول، والإلتزام بعقيدة ذئاب الأسواق، وشياطين الديمقراطية.

هل هذه مبالغة؟ لا. اللغة قاصرة عن رسم صورة حقيقية وموضوعية وشاملة، لما آلت إليه البشرية، بعد آلام القرون، من العنف والتوحش والقتل والنزف. البشرية ليست بريئة من دمها.

الأقوياء، في التاريخ، وبنسبة 99,99 بالمئة، كانوا من سلالة قايين. عظمتهم ممهورة بحروب، ما زالت أسماؤها تترد كلما تذكرنا الحقب البشرية الدامية والمدمرة. العنف معولم، منذ ما قبل التاريخ الجلي. لنكن واقعيين. وصية لا تقتل الإلهية، غير قابلة للتحقيق.

لا غرابة، في أن يكون التوحش الراهن، مقترناً بأفكار وقيم ومثل مهترئة وكاذبة، بل وفاسقة، ومتناقضة أيضاً. هناك حروب راهنة، دفاعاً عن السلام، أو لإقامة سلام الأقوياء وسحق الضعفاء، وتلقين الشعوب دروساً دموية… هل رأيتم ذلك في آخر حرب، حتى الآن، في أوكرانيا: سلامة روسيا تقضي أن تحارب أوكرانيا، وسلامة العالم، تقضي بأن تقود حرباً عالمية، إعلامية وسياسية وعسكرية، لإعادة روسيا إلى وضع دوني؟ السلام كذبة وخرافة.

لن أفتح صفحات تاريخ الحروب أبداً. إنما، من الواجب إجراء مسح بصري على الخريطة العربية والإقليمية: حروب مكررة في اليمن. يختلط الدين والمذهب بالنفط والموقع و… القتلى والدمار والحطام والأحزان الأوبئة، ليست ذات بال.. الدم أرخص من النفط. أدنى من السلطة… حرب الفجور الإقليمية. والحبل على الجرار. وهذه ليست المرة الأولى. نتذكر حرب العراق على إيران، في زمن صدام الأميركي: قتلى. مجاعات. مجازر. تعذيب. تسليم…

الدول “الديمقراطية” ذئبية. كانت تقود المعارك من دون أن تلوث أياديها…ثم، انقلب الميدان. من دعم صدام، عادوا، وذبحوا العراق برمته. صار بلداً مهلهلاً. وشعبه غاب عنده الوطن. إنه يقيم في ملاجئ المذاهب والطوائف. نفطه، على قارعة النهب الدولي والمحلي. الغرب يحلب الدول الدسمة.

السودان ليس بخير. إنه ينزف. انقسم منذ سنوات. يتعثر وعليه أن يداوم على ذلك. لا يهم كم يجوعون وكم يموتون وكم يمرضون. المهم أن يكون السودان في قافلة الدول الخاضعة والمشرعة على الحرام الدولي.

ماذا عن سوريا؟ احتلالات متفاوتة. تطرف وأحقاد. الغرب يريد سوريا قبيلة سياسية، في سياق القبائل الدولية. شعبها جائع. مهجر. يعاني. كل هذا غير مهم. المطلوب أن تركع سوريا، وتنحني وتطيع. وإلا فلتمت ببطء. بكلفة عذاب وتهجير. بحيث يكون كل أفق أمامها، نفقاً بلا ضوء.

أما فلسطين، فخلاصتها الدولية: إسرائيلسطين. إذاً، هذا العالم لا يمكن إصلاحه.

لبنان؟ لا ضرورة كي نحكم عليه. إننا نعرفه بالتمام والكمال. هو كذلك، يستقوي على نفسه، ويتطلع إلى أدوار إقليمية ودولية، وهو بقامة طوائف ومذاهب. وهو راهناً، لعبة تعاقب حتى ترضخ. “الشعب الآمن هو الشعب الراضخ”. لبنان راهناً راكع على جبهته، ويظن أنه سيحيا إذا انتخب غداً أو بعده، رئيساً للجمهورية. أبداً. كل هذا تفكير عبيط. لبنان يقوم بإلغاء نفسه. مؤمن بالعجز. يعوض عن ذلك بادعاءات السيادة والاستقلال نموذجاً.

باختصار لا خير ولا حق ولا جمال ولا عدالة ولا… لكل شيء أخلاقي.

اركعي أيتها الشعوب. تناولي قربانة هزيلة، لقاء خضوع لغرب لا يؤمن إلا بالدين الرأسمالي. الأديان معلقة بالسلطة. المال أفضل من الإيمان.

من أين ولماذا كل هذا؟

حالة اشفاق على الضعفاء. والضعفاء والفقراء، لا راحة لهم بموتهم. كتب موريس مادو: “في قلبي العاري احساس دائم بالغربة عن العالم وطقوسه. إنه عالم البورجوازية حيث أخلاقيات الصرّاف، المرعبة. عالم الغيلان الجائع إلى الماديات، المفتون بنفسه، غير المدرك أنه داخل الإنهيار.العالم الذي نعرف بنبوءة منفردة، أنه سائر نحو التأمرك، منذور للحيوانية”. هذا نص أرهص بهذه النهايات المؤلمة، في العام 1955. منذ ذاك الزمن، والبشرية تشرع، وتسابق، وتخف، وتمهد، لأهم وأبشع تجارة: ” عبودية الخراب التام”.

لذا الكرة الأرضية مريضة، الأضواء الساطعة اللمّاعة، تخفي العتمة البشرية، وتنعم بفضائل ومردودات الفوضى.

هل ترون ذلك؟ غيرنا رأى ذلك من قبل. تغذى بأفكار نبيلة ومارس أفعالاً قاتلة. لا تقل لي بماذا تفكر وكيف. قل لي ماذا ستفعل؟ هل ستكون في قافلة النهابين، أم ضحية كالمنهوبين. إن المستقبل لا يعود إلى الوراء. إنه يتجدد، وللأسف، أن تقدمه حتى الآن: هو وفق فلسفة الاصطفاء.

الأرض وشعوبها ليست على ما يرام بالمرة. الهمجية والبربرية متلازمتان. التوحش الحيواني قاهر جداً. توحش انفرادي. الرأسمال والتسلط، توحش أبادي. تذكروا ناكازاكي. تذكروا توحش الغرب الأنيق، عندما احتل واستعمر وأباد شعوباً في أفريقيا وآسيا.

الحبل على الجرار. ولا حساب إلا للمجرمين الصغار

أخيراً، لا حرية إعلام ولا صدقية.
الصحافي جون سوينتون قال في خطاب وداعي له في نيويورك: ” إن عمل الصحافي يقوم على تدمير الحقيقة وعلى الكذب. نحن شراميط الثقافة” مع الاعتذار منهن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى