مقال

الدكروري يكتب عن وقفة مع النفس قبل نهاية العام

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن وقفة مع النفس قبل نهاية العام

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الله سبحانه وتعالى يفرح بتوبة عبده أشد فرحا من الذي فقد طعامه وشرابه وراحلته فنام للموت ثم استيقظ فوجد الطعام والشراب والراحلة عند رأسه ففرح بذلك فرحا شديدا حتى أخطأ من شدة الفرح إذ قال ” اللهم أنت عبدي وأنا ربك” وإن التوبة لا تتحقق إلا بالإقلاع عن الذنب والندم على فعله والعزم على عدم العودة إليه مرة أخرى والإيمان الصادق والعمل الصالح والإخلاص لله وحده وأن تكون التوبة في وقتها وبالتوبة الصادقة يصلح الإنسان ماضيه بإبدال سيئاته حسنات ويصلح حاضره بمضاعفة الأجر والحسنات ويُصلح مستقبله بحفظه في دينه ودنياه، وإن هناك وقفة جميلة تفكرت فيها بين ولادة الإنسان ووفاته، فالمولود حين ولادته يؤذن في أذنه اليمنى وتقام الصلاة في اليسرى.

 

ومعلوم أن كل أذان وإقامة يعقبهما صلاة، فأين الصلاة؟ وأقول بأن صلاة الجنازة ليس لها أذان ولا إقامة، لأنه قد أذن وأقيم لها عند ولادتك، والفترة التي بين الأذان والإقامة والصلاة كفترة عمرك، واعلم أن انصرام عام يعني انصرام بعضك كما قال الحسن البصري، يا ابن آدم، إنما أنت أيام، إذا ذهب يوم ذهب بعضك، وقال يا ابن آدم، نهارك ضيفك فأحسن إليه، فإنك إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك، وإن أسأت إليه ارتحل بذمك، وكذلك ليلتك، وقال أيضا الدنيا ثلاثة أيام، أما الأمس فقد ذهب بما فيه، وأما غدا فلعلك لا تدركه، وأما اليوم فلك فاعمل فيه، فكل يوم يمر عليكم تزدادون بعدا من الدنيا وقربا من الآخرة فاعملوا وتزودوا لها، فقد قال الإمام علي بن أبي طالب رضى الله عنه، ارتحلت الدنيا مدبرة.

 

وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل، لذلك كانوا لا يندمون إلا على فوات الوقت الذي لم يرفعهم درجة، فقال ابن مسعود رضى الله عنه، ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي، فهيا قبل أن تندم ولا ينفع الندم، فقد وقف الحسن البصري على جنازة رجل فقال لصاحب له يعظه، ترى هذا الميت لو رجع إلى الدنيا ماذا يصنع؟ قال له يكثر من الطاعات، فقال له الحسن البصرى قد فاتته فلا تفتك أنت، وهكذا فقد فاتت من كان قبلكم، والفرصة ماثلة أمامكم فماذا أنتم فاعلون؟ لذلك شكى وبكى الصالحون والطالحون ضيق العمر، وبكى الأخيار والفجار انصرام الأوقات.

 

فأما الأخيار فبكوا وندموا على أنهم ما تزودوا أكثر، وأما الفجار فتأسفوا على ما فعلوا في الأيامِ الخالية، فعن أَبى هريرة رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما من أحد يموت إلا ندم، قالوا وما ندامته يا رسول الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم ” إن كان محسنا ندم أن لا يكون إزداد، وإن كان مسيئا ندم أن لا يكون نزع” رواه الترمذى، ويوم القيامة تندم وتقول يا ليتنى قدمت لحياتى، وقال لحياتي، ولم يقل في حياتي، وكأن حياته لم تبدأ بعد، فإن الحياة الحقيقية هي الآخرة، ويقول الإمام الفخر الرازي يا ليتني قدمت في الدنيا التي كانت حياتي فيها منقطعة لحياتي هذه التي هي دائمة غير منقطعة، وإنما قال لحياتي ولم يقل لهذه الحياة على معنى أن الحياة كأنها ليست إلا الحياة في الدار الآخرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى