مقال

السلطة والدولة هو الإطار الناظم للمجتمع

جريدة الاضواء

السلطة والدولة هو الإطار الناظم للمجتمع

كتب / يوسف المقوسي

لا يمكن العيش سوية في إطار الدولة الفلسطينية الحالية طالما أن الأمور تدار كما نرى. الإدارة الراهنة، ومنذ سنوات، هي ما يقود الى التقسيم، بالأحرى اهتراء، ليصبح البلد هباءً منثوراً، أو يقود الى حرب أهلية. وهي ستكون من طرف واحد، لأن الأفرقاء الآخرين ليس لديهم العديد والعتاد أو أن الواقع يقود الى قمع شديد يمارسه فريق يملك أسباب القوة والنية.
أوضاع الناس الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كثر الحديث فيها. وهي أوضاع لا ينتج عنها إلا مجتمع مرهق مشلول القوى. يبدو الشلل حقنة فيروس أصابت المجتمع بعد الإنقسام. معاقبة للمجتمع الفلسطيني على ما حصل.
استحالة العيش سوية يُعبر عنها هذا السيل الجارف من الكره والبغض الذي يتبادله الفلسطينيون بواسطة وسائل “التواصل” الاجتماعي. يبدو أن ما يضمره الفلسطينيون من مشاعر تجاه بعضهم أسوأ بكثير مما يعلنون. على كل حال ملكة التهذيب مفقودة عندنا. احتقار الفلسطينيين للطبقة السياسية، دون استثناء، هو كما يكره المريض داء السرطان عندما يصيبه. العنصرية لا تطال التنظيمات والحركات الأخرى، بل حركة صاحب الخطاب. بُغضُ الذات أصبح شائعاً. كيف يعيش الناس سوية إذا كان الواحد منا لا يطيق نفسه؟

السلطة و الدولة هي الإطار الناظم للمجتمع. لا توضع عليها شروط. هي شرط لما عداها. دونها يتحول المجتمع الى كيان فاشل. وقد رأينا ذلك في جميع الجوانب السياسية والاجتماعية والبنى التحتية، وفي كل شيء. حتى الأوراق الرسمية في دوائر السلطات مفقودة.
إذا لم نسمه مجتمعاً فاشلاً في ظل دولة معدومة فإنه قد تذرر تذرراً شبه كامل. كل حي، بل كل بناية تشكل سلطة قائمة بذاتها أمنياً، وفيما يتعلّق بالخدمات الضرورية كالماء والكهرباء. كما لا يستطيع الفلسطينيون العيش سوية في دولة فاشلة، فهم لا يستطيعون ذلك في مجتمع فاشل. المبادرات المحلية هنا وهناك تعني ذلك.

يعرف الفلسطينيون كيف يعيشون سوية بالرغم من، بل بسبب، تعدديتهم التنظيمية وغيرها. كل المجتمعات في العالم تعددية. نستطيع العيش سوية وتنتظم حياة الناس في دولة، ذات نظام موحد، إن كان ذلك لناحية امتلاك القوة واحتكارها ومنع تعدد مراكز القوة. نظام فيه موالاة وفيه معارضة، وفيه حوار علني يخرج المضمر الى العلن. يعرف الفلسطينيون عن بعضهم الكثير فلا لزوم للمضمرات. المجتمع المفتوح هو المجتمع الديموقراطي الوحيد الممكن. بل هو الممكن الوحيد إذا أريد له الاستمرار بمواصفات تضمن الحريات الفردية وجهاز للنظام يدير المجتمع، بمعنى يؤمن الخدمات من البنى التحتية الى الحاجات الاجتماعية. مجتمع مفتوح تكون فيه الدولة واحدة والمواطن مشاركاً. نحن الآن لسنا دولة مواطنين بل شبه فيدرالية تتشكّل من جماعات هي تجمعات رعايا تذعن ولا تشارك.

في السياسة الأفقية احترام متبادل، وفي السياسة العمودية احتقار الأكباش والوجهاء لاتباعهم. والسياسة أيضاً تكون بتراكم التسويات، وليس بأن كل من يأتي للسلطة يدين من قبله ويبدأ من جديد. فكأن كل ما سبق فساد وخطايا، وكأن القادمين الجدد ملائكة لا همّ لهم إلا العدل وحسن التأتي. على أهل السياسة في فلسطين التخلي عن الدون من ناحية، وعن هدم ما سبق من ناحية أخرى لأنه بنظرهم لا يستحق الوجود.

من الواجب محاربة جميع أنواع الفساد. لكن علينا أن نتذكر أن الفساد أنواع. أسوأ أنواع الفساد هو التعطيل كما يحدث لعدد من مرافق البنى التحتية. وما يشل البلد ويؤدي به الى الانهيار هو فساد الكبار من أهل السياسة، وهؤلاء يجب عدم التسامح معهم. وهم ليسوا فوق القانون.

مكتوب على الفلسطينيين أن يعيشوا سوية داخل الحدود التي رسمت لهم. وذلك لا يكون إلا بالدولة دون دولة موازية، وبالسياسة إذا كانت مفتوحة الأفق، أولويتها إدارة شؤون المجتمع لا مجرد التسلق من أهل السلطة. سيكون صعباً، بل مستحيلاً، تغيير الحدود. ومن ساورته نفسه بذلك يئس. نعيش سوية ولو على مضض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى