مقال

رسالة إمرأة إلى صديقها ومعلمها

جريدة الاضواء

رسالة إمرأة إلى صديقها ومعلمها
كتب /يوسف المقوسي
صديقي ومعلمي أذكر أنك سألتني ذات يوم قبل عشرين عاما عن سر السعادة المفاجئة التي شملتني فتبدل شكلي وتغير مظهري. قلت لي يومها عن طريق المديح أنني أبدو أطول مما كنت عليه قبل أسبوع. فرحت بانتباهك وسعدت بإطرائك. لم أصرح لك يومها بأن الكعب العالي الذي أصبحت أعتليه في جميع أحذيتي هو المسئول عن هذه الزيادة في الطول. لم أخبرك وقتها أن ما بدا لك تبدلا في الشكل وتغيرا في المظهر وتطورا في الملبس بما فيه الكعب العالي إنما جميعها من معالم حالة طارئة من سعادة حلت بفتاة لم يسبق لها أن مارست حالة مماثلة طوال سنوات مراهقتها وأوائل سنين شبابها.

سألتني أيضا إن كنت أستطيع أن أصف في عبارة موجزة مشاعري وقد رأيتها فائضة. استغربت تعبيرك فكان ردك أشد غرابة. قلت وقتها بالنص “أفهم أن تلتقي بشاب في مثل عمرك واقع في حبك منذ سنوات فتجدين نفسك تكادين تلقي بنفسك في أحضانه قبل أن ينطق بحرف. ولكن ما أراه أمامي يتجاوز ما حاولت تلخيصه في كلمات قليلة، أرى عيونا تحتضن رجلا لم أتعرف على تفاصيل وجهه وشفاها تتمتم باسم لم أتبينه بالوضوح الكافي.

قاطعتك لأستكمل بنفسي ما بدأت أنت في تخمينه عن رجل التقيته. قلت إنني لن أخيب خيالك الذي عرفناه دائما خصبا وفائرا. دعني أضيف بكل تواضع إلى ما تفضلت عبارة فصلتها تفصيلا بينما كنت تحدثني عن الزيادة في طولي وعن عيون تحتضن رجلا وعن شفاه تلتهم، آسفة أقصد، تتمتم باسمه. أما العبارة التي نطقت بها في وصف اللقاء الأول، فكانت “لقاء كارتطام الأجرام”، ما أن تلامست اليدان حتى وقع ما لن يفهمه أو يتوقعه غير المحبين. بل أرجو أن تسمح لي بمزيد من تجاوز في لغة الخطاب مع إنسان يكتب عن الحب والمحبين وعن دخائلهم وحساسياتهم ومبالغاتهم وأحلامهم. أتجاوز فأقول أن هذه اللحظة، لحظة التقاء اليدين لأول مرة قد تكون اللحظة الفاصلة بين عمرين، عمر يسبقها وعمر آخر يتلوها. عندها تذوب فروقات الزمن، هل نحسب ما فات أم نكتفي بما هو آت عندها أيضا يسقط المنطق وتنصهر قوى المقاومة. عندها يولد الحب ويعيش رضيعا تهون من أجل سلامته وصحته صعاب الأيام وسهر الليالي. كم ضحينا في حياتنا من أجل كبار وصغار يعنوننا في كثير وقليل. كم ضحينا من أجل طموحات في العمل ومن أجل أشياء ضرورية بأشياء تافهة. الآن وقد أصبح لدينا هذا الحب، هذا الرضيع الأول في حياتي الذي كلفنا عديد التضحيات، لم يعد لدينا من التضحيات الفائضة ما يمكن أن نقدمه له ولغيره من عظائم الأمور.

تزوجنا ومرت سنوات ورضيعنا لا يكبر. غريب أمره أو غريب أمرنا. الزوج الذي ركع ذات يوم ليؤكد أنه أقسم أمام أهل الخير أن شيئا أو أمرا أيا كان لن يجعله يحيد عما انتواه من حياة يتوسطها الحب ولا يفرق بين طرفيها أحد أو ظرف، هذا الرجل وقد أصبح زوجا اكتشف لنفسه بعد سنوات معدودة أن الحب الذي ربطنا هو نفسه الذي يفرق بيننا. لم يبق اكتشافه سرا ولم يعتبره أمرا خاصا بنا وليس شأنا عاما ليهتم به كل الخلق.

رضيعنا الأوحد أصبح الفسحة والمبرر. الفسحة والمبرر في آن ليمارس زوجي ما شاء له مزاجه أن يمارس، يمارسه بحرية وفي راحة نفسية ودون أن يضع في حساباته وزنا لمزاجي ووقتي وجسدي المنهك بعد يوم عمل شاق. حجته الحق الممنوح له بالعقيدة والعادات والرغبات. استخدم الحق بمنطق حق الوحش في فريسة وحق السلطان في جاريته وحق رب البيت في التهام القطعة الأفضل شكلا والأّذكى رائحة في صحن المشويات على مائدة الغذاء. باسم هذا الرضيع، باسم هذا الحب، أصبح يتحكم في ملبسي. إنها الغيرة يعترف بها بلا خجل. تعلمت وقت الطفولة والمراهقة، أن الغيرة ليست حكرا على النساء. حذروني من الوقوع في شراكها. قالوا عنها ما كنا نقرأه عن مصاصي الدماء. يشربون من دماء ضحاياهم حتى يسكرون ثم يتضورون في الليل ألما وعذابا فأنيابهم لا تكف عن عض أي رقبة يسوقها حظها إلى طريقهم، طريق الآلام والشرور.

كسرني هذا الرجل. انكسرت لا لأنني ضعيفة أو أقل ذكاء أو لأنني ساذجة أو لأنني كغيري من عامة النساء نجهل حقيقة جنس الرجال. أنا انكسرت لأنني استهنت بقوة الحب. كانت في يدي وبين أضلعي عاطفة كالسحر لها قوة الصخر. سمحت له بأن يستغلها لصالح إرادته البشعة بدلا من أن أستعملها أنا لكشف أساليبه وطرده في وقت مبكر من زواج أحلى أيامه كان يوم طلاقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى