مقال

الدكروري يكتب عن برمك من مجوس

بقلم / محمــــد الدكـــروري

ذكرت المصادر التاريخية الإسلامية الكثير عن البرامكة والخليفة هارون الرشيد، وقد ذكر في أصل البرامكة عدة أقوال، منها أن أصل البرامكة كانت من بيوتات بلخ، وكان جدهم برمك من مجوس بلخ وهو من بلدات أفغانستان الآن، وكان يخدم النوبهار، واشترك برمك وبنوه بسدانته، وكان برمك عظيم المقدار عندهم، والنوبهار كان معبدا للمجوس بمدينة بلخ، توقد فيه النيران، وروى أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي أن النوبهار بناه منوشهر بمدينة بلخ، من خرسان على اسم القمر، وكان من يلي سدانته تعظمه الملوك في ذلك الصقع، وتنقاد لأمره وترجع إلى حكمه، وتحمل إليه الأموال، وكان الموكل بسدانته يدعى البرمك، وهذه سمة عامة لكل من ولي سدانته، ومن أجل ذلك سمي البرامكة بهذا الاسم.

 

لأن خالد بن برمك كان من ولد من كان على هذا البيت، وكان بنيان البيت من أعلى البنيان تشييدا، وكانت تنصب على أعلاه الرماح عليها شقاق الحرير الخضر، طول الشقة مئة ذراع فما دون، في حين يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان أن البرامكة أهل شرف على وجه الدهر في بلخ مثلهم مثل ملوك الطوائف في الأندلس، وكان دينهم عبادة الأوثان، فوصفت لهم مكة وحال الكعبة بها، وما كانت قريش ومن والاها من العرب يأتون إليها ويعظمونها، فاتخذوا بيت النوبهار مضاهاة لبيت الله الحرام، ونصبوا حوله الأصنام، وزينوه بالديباج والحرير، وعلقوا عليه الجواهر النفيسة، وكانت الفرس تعظمه وتحج إليه وتهدي له، وتلبسه أنواع الثياب، وتنصب على أعلى قبته الأعلام.

 

وكانوا يسمون قبته الأوستن، وكانوا يسمون السادن الأكبر برمك، لتشبيههم البيت بمكة يسمون سادنه برمكه، فكان كل من ولي منهم السدانة سُمي برمكا، وكان ملوك الهند والصين وكابل وغيرهم من الملوك تدين بذلك الدين، وتحج إلى هذا البيت، وكانت سنتهم إذا وافوه أن يسجدوا للصنم الأكبر ويقبلوا يد برمك، وجعلوا للبرمك ما حول النوبهار من الأراضين سبعة فراسخ، فلم يزل برمك يلي النوبهار بعد برمك إلى أن افتتحت خراسان أيام خلافة عثمان بن عفان، وانتهت السدانة إلى برمك، فسار إلى عثمان مع رهائن، ثم رغب في الإسلام، فأسلم وسمي عبد الله، ورجع إلى أهله وولده وبلده، فأنكروا إسلامه، فأجابهم برمك إني إنما دخلت في هذا الدين اختيارا وعلما بفضله من غير رهبة.

 

ولم أكن لأرجع إلى دين بادي العوار مهتك الأستار، فغضب عليه أحد الملوك اسمه نيزك طرخان، وزحف إليه في جمع كثير، فكتب إليه برمك قد عرفت حبي للسلامة، وإني قد استنجدت الملوك فأنجدني، فاصرف عني أعنة خيلك، وإلا حملتني لقاءك، فانصرف عنه، ثم استغره وبيته فقتله وعشرين من بنيه، فلم يبقي له سوى طفل وهو برمك أبو خالد، فإن أمه هربت به إلى أرض القشمر من بلاد الهند، فنشأ هناك وتعلم علم الطب والنجوم وهو على دين آبائه، ثم إن أهل بلاده أصابهم الطاعون، فكتبوا إلى برمك حتى قدم إليهم، فأجلسوه في مكان آبائه وتولى النوبهار، ثم تزوج برمك بنت ملك الصغانيان، فولدت له الحسن وبه يكنى، ويقول الحموي كان برمك يعكر النوبهار ويقوم به.

 

وهو اسم لبيت النار الذي ببلخ يعظم قدره بذلك، فصار ابنه خالد بن برمك بعده، وقد اختلف في معبد النوبهار فقيل أن النوبهار بيت من بيوت النار، وقيل أنه أحد بيوت الأصنام، وقيل أن النوبهار بيت من بيوت الأصنام والنار في آن واحد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى