غير مصنف

ذو القرنين واستثمار الطاقات البشرية 

جريدة الأضواء

 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

ذكرت كتب الفقة الإسلامي وكتب التفاسير وقصص الأنبياء الكثير عن ذي القرنين، وقيل أنه عندما طلب القوم من ذي القرنين أن يبني لهم سدا ليمنع قوم يأجوج ومأجوج عنهم، فقيل أن هنا تبرز الموهبة العظيمة لذي قرنين في استثمار الطاقات البشرية، وفي نقل الناس المتخلفين إلى ناس منتجين، وتحويل الناس الكسالى إلى قوم عاملين، قال ” فأعينونى بقوة” قوموا اشتغلوا معي، هيا انفضوا غبار الكسل والنوم، أعينوني بقوة، ثم وضع لهم مخطط العمل، وطلب منهم طلبات محددة، وأنت إذا أردت أن تنقل ناس كسالى من عالم الخمول إلى عالم العمل، ليس فقط أن تخطب فيهم خطبة عصماء، وتقول ألا تريدون العمل، ألا تقومون يجب عليك القيام النشاط، وإنما تضع خطة، وتطالبهم بالعمل بناء على هذه الخطة. 

وهناك أهداف محددة، فقال لهم ” آتونى زبر الحديد” أى اجمعوا لي قطع الحديد، وذو القرنين عنده قوة ممكن يجمع بالاستغناء عنهم، لكن هو يريد أن يحول هذه الأمة الفاشلة، المتخلفة، الكسولة، إلى أمة منتجة، تساعد، وتعمل، وتشتغل، وتنتج، ولذلك قال ” فأعينونى بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما، آتونى زبر الحديد” أى هاتوا قطع الحديد راكموا بعضه فوق بعض ” حتى إذا ساوى بين الصدفين” فإذا جمعوا قطع الحديد، وارتفعت القطع بعضها فوق بعض، وصارت كوما كبيرا، “حتى ‘ذا ساوى بين الصدفين” أى بين الجبلين، إذا الثغرة هذه سدت، صار بين الجبلين كله قطع حديد، ساوهما، أي الجبلين ” قال انفخوا” وهذا عمل آخر، تؤججون نارا، لكي ينصهر هذا الحديد، ويلتحم بعضه مع بعض. 

وإيقاد النار يحتاج إلى نفخ بالمنافخ “حتى إذا جعله نارا، إذن قال انفخوا على قطع الحديد وهذه بالكيران والكيران التي فيها إيقاد النار، واشتعال مزيد من الاشتعال ” حتى إذا جعله نارا” أي هذا المنفوخ جعله نارا تتأجج، لقد وضعت قطع الحديد، ثم أوقد عليها الحطب والفحم بالمنافخ حتى حميت، والحديد إذا أوقد عليه، ماذا يصبح كالنار، فيقوا تعالى ” حتى إذا جعله نارا قال آتونى أفرغ عليه قطرا” فما هو القطر؟ هو النحاس المذاب، وهذا النحاس المذاب سيغلف هذا السد الحديدي الذي انصهر فكان قطعة واحدة، التحم بعضه ببعض من الحرارة، ثم أفرغ عليه النحاس المذاب، وقد قال علماء المعادن إن الحديد المغلف بالنحاس المذاب سبيكة قوية جدا من أقوى السبائك التي يعرفها البشر.

وإن اقتحام جدار من حديد ملبس بالنحاس من أصعب الأشياء، فإذا أردت سبيكة قوية جدا فإن هذا الذي علمه ذو القرنين بأولئك القوم المتخلفين، وهذا النحاس المذاب المصبوب على الحديد، فقال ” آتونى أفرغ عليه قطرا” ما هي النتيجة؟ النتيجة الوصول إلى سد عظيم غير قابل للاختراق، فقال تعالى ” فما اسطاعوا أن يظهروه ” أى لم يستطيعوا أن يتسلقوه وينزلوا من فوق ” وما استطاعوا له نقبا” أى لا استطاعوا أن يتجاوزوه، ولكن أيهما أصعب أن يظهروه أو أن ينقضوه؟ فأيهما أسهل؟ فإن الزيادة في المبنى تفيد الزيادة في المعنى، فقول استطاعوا أبلغ من اسطاعوا، فإذا عرفت أن استطاع فيها مزيد قدرة على اسطاع، فمعنى ذلك أن النقض أصعب وهكذا سيكون الحال إلى ظهور يأجوج ومأجوج. 

الذين يحفرون في السد كل يوم حتى يقول الذي عليهم ستحفرونه غدا إن شاء الله، فينقبوه ويخرجون على الناس، فينشفون المياه، وتحدث المصائب العظيمة، حتى يأذن الله بهلاكهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى