القصة والأدب

الدكروري يكتب عن القاضي شيخ المدرسة الأشرفية

الدكروري يكتب عن القاضي شيخ المدرسة الأشرفية

الدكروري يكتب عن القاضي شيخ المدرسة الأشرفية

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ذكرت المصادر التاريخية الإسلامية الكثير والكثير عن الإمام تقي الدين السبكي، وقد عرف عن الشيخ تقشفه في شتى جوانب الحياة، وقد تولى عددا من الوظائف في مصر مثل التدريس في المدرسة المنصورية والهكارية وجامع الحاكم وخطب في جامع أحمد بن طولون، ثم سافر ليتولى القضاء بدمشق عام سبعمائة وتسع وثلاثين من الهجرة، بعد إلحاح من الناصر محمد بن قلاوون، وقد ضرب أروع الأمثلة في ولايته على هذه الوظيفة للحيدة والنزاهة والتمسك بالحق، وكف الظلم حتى قال عنه صلاح الدين بن أيبك الصفدي “باشر قضاءها بصلف زائد وسلوك ما حال عن جادة الحق ولا حاد، منزه النفس عن الحطام منقادا إلى الزهد الصادق بخطام، مقبلا على شأنه في العمل.

 

منصرفا إلى تحصيل السعادة الأبدية فماله في غيرها أمل، ناهيك به من قاضي، حكمه في هذا الإقليم متصرف الأوامر، وحديثه في العفة عن الأموال عُلالة المسامر، ليس ببابه من يقول لخصم هات، ولا من يجمجم الحق، أو يموع الترهات” وفي دمشق تولى عددا من الوظائف مثل رواية الحديث، والتدريس بالمدرسة المسرورية، ومشيخة المدرسة الأشرفية إلى جانب القضاء، والخطابة بالجامع الأموي، ثم تنازل عن القضاء لولده تاج الدين عبد الوهاب السبكي، وعاد للقاهرة وتوفي بها في الثالث من شهر جمادى الثانية عام سبعمائة وست وخمسين من الهجرة، الموافق الرابع عشر من شهر يونيو لعام ألف وثلاثمائة وخمس وخمسين ميلادي، ودفن بمقبرة سعيد السعداء بالقاهرة، ورثاه صلاح الدين الصفدي بقصيدة طويلة.

 

وكانت ولايته لقضاء دمشق سببا لصدامه مع السلطات الحاكمة بسبب صلابته في الحق حيث أنه كان لا يخشى في الله لومة لائم، فلا يقضي إلا بما استراح إليه ضميره على أساس من الشرع، حتى قال أحد كبار الأمراء المماليك وكان يدعى بدر الدين بن جنكلي بن البابا “نحن مع هذا السبكي في صداع” كذلك وقف في وجه أرغون شاه نائب الشام واحتد الموقف بينهما ذات مرة حتى قال له “يا أمير أنا أموت وأنت تموت” وكان الشيخ نادرة العصر في الإحاطة بفنون العلم وسعة الإطلاع، ضاربا بسهمه في مختلف العلوم الشرعية وكذلك العلوم الأخرى كالأدب واللغة والتاريخ والحساب وغيرها، مع البراعة والتحقيق، أما في البحث والتحقيق وحسن المناظرة فقد كان أستاذ زمانه.

 

وفارس ميدانه ولا يختلف عليه اثنان في أنه البحر الذي لا يساجل في ذلك، وكان من كبار أعلام المذهب معرفة واطلاعا وتحريرا وتدقيقا، حيث شرح المنهاج وكمّل كتاب المجموع في شرح المهذب، وتخرّج على يديه من كبار الأئمة في المذهب كالإسنوي والبلقيني وابن النقيب المصري وابن الملقن وغيرهم، حتى أن له معرفة بجميع المذاهب الأخرى إلى أن أصبح إماما مجتهدا، وكان آية في استحضار التفسير، ومتون الأحاديث وعزوها، ومعرفة العلل وأسماء الرجال، وتراجمهم، ووفياتهم، ومعرفة العالي والنازل، والصحيح والسقيم، وعجيب الاستحضار وللمغازي والسير والأنساب، والجرح والتعديل، آية في استحضار مذهب الصحابة والتابعين وفرق العلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى