محافظات

الطبقة الحاكمة الفلسطينية أمعنت في تجويف الدولة

الطبقة الحاكمة الفلسطينية أمعنت في تجويف الدولة

الطبقة الحاكمة الفلسطينية أمعنت في تجويف الدولة 

بقلم /زينب حوسو

 

تحولنا الى لا دولة، أو دولة فاشلة، ولا يأبه لذلك أركان الطبقة السياسية في فلسطين . يقول الشاعر: لقد أسمعت لو ناديت حيـًا.. ولكن لا حياة لمـن تنادي

بيت الشعر أعلاه يناسب حالتنا وما نحن فيه، ولو استخدمنا كلمة حياء مكان حياة لكانت أنسب وأكثر ملاءمة.

الطبقة الحاكمة أمعنت في تجويف الدولة؛ حولتها الى فراغ. أداة الحكم هي الفراغ. معظم السنوات الماضية مضت في الفراغ، سواء كان رئاسياً أم حكومياً أم في الأجهزة البيروقراطية , ذلك فيما عدا الأجهزة الأمنية والمجلس التشريعي الذي لا يجتمع إلا في المناسبات. طريقة حكم فريدة في العالم؛ ربما كانت فرادة فلسطين تعود إليها.

تغيّر معنى الفرادة من ثقافي الى سياسي في هذه المرحلة. والسياسة في فلسطين لا تعني ممارسة السلطة وانجاز شيء ما بل عدم ممارسة السلطة والامتناع عن ممارسة أي شيء. شعوب أخرى تدعي الفرادة أي التمايز عن غيرها بانجازاتها. الفراغ في فلسطين مصدر الفرادة. الدولة أصبحت لا دولة، وكثير من الشؤون والأمور انقلبت الى عكسها، فأصبحت أعاليها أسافلها، وأسافلها أعاليها .

 

الأساس في تجويف الدولة وقلبها من دولة الى لا دولة هو إلغاء السياسة، وتحويل التفاوض من أجل التوافق والمصالحة وتراكم التسويات الى حوار حول موقف أو رأي. ونرى أحد الفرقاء يدعو الآخرين ليس الى التفاوص بين آراء مختلفة ومواقف مختلفة لإجراء تسوية يتنازل فيها كل فريق عن جزء مما يعتقده صواباً بل الى مناقشة حول موقف أو رأي واحد دون اعتبار لمواقف الآخرين، لأخذ قرار نهائي لا يكون تسوية بين مواقف مختلفة بل يدور حول موقف أو رأي الطرف الأقوى، بمعنى أنه مسموح للآخرين أن يناقشوا رأي الأقوى دون أخذ مواقفهم بالاعتبار. فكأن فريقاً يقول موقفنا هو الصواب ونحن على استعداد لمناقشتكم، أو ما يسمى الحوار، لكن أي أمر آخر، بما في ذلك مواقف وآراء الآخرين، لن تؤخذ بالاعتبار. بذلك يدور الجميع حول موقف واحد ولا يكون للأمر علاقة بين أنداد لهم الحق في أن يكون لهم رأي وموقف كغيرهم. هناك فرق كبير بين التفاوض والحوار. في الدول الاستبدادية، يحاور الطغاة الآخرين لكنهم لا يفاوضوهم. يفترض التفاوض ندية يفتقر إليها الحوار .

 

السياسة علاقة أفقية، الاستبداد علاقة عمودية تتدفق فيها المواقف من الأعلى الى الأدنى، والحوار دائري حيث يدور الجميع حول مركز ترجع إليه الأمور. تلغى السياسة عندما يكون الحوار دائرياً، بل هو يشابه الاستبداد حيث العلاقات العمودية. كل أنواع الحوار غير السياسة الأفقية هي في جوهرها استبدادية، حيث يكون لفريق ما الأفضلية حتى ولو لم يكن يملي مواقفه صراحة وعلانية.

تعيش فلسطين حالة استبداد سلبية. لا يستطيع الفريق القوي فرض وجهة نظره لكنه يمنع أي وجهة نظر أخرى من السلطة، أو عن أي قرار أساسي؛ لذلك يعيش البلد حالة شلل في أجهزته جميعها ما عدا الأمنية منها، وهذا ما مؤداه تجويف الدولة. وكأن التعطيل يُفرض بانتظار أن يأتي الحل من مكان ما خارج فلسطين . الاستبداد يكون دائماً فاقد الشرعية لذلك يتحالف مع قوى خارجية لفرض نفسه على شعبه. ما زالت الدول العربية وأخرى أجنبية تتدخل من أجل المصالحة وإنهاء الإنقسام ، لكن الدولة العظمى لم تتحرك لتتفاهم مع أصحاب فائض القوة، لوضع أسس الحل النهائي ولو مرحلياً. ولو مارس أطراف الطبقة الحاكمة اتفاق الجزائر أو روسيا لكانوا توصلوا الى شيء ما. لكن ذلك يتطلّب الكثير من الجرأة المعنوية .

 

يصعب التصديق أو الاقتناع بأن الطبقة الحاكمة لا تعرف مدى حراجة الوضع الفلسطيني، إلا إذا كان المسؤول يعيش وأفراد أسرته خارج فلسطين.

من غير الممكن الاقتناع بأن أحداً في فلسطين في عداد الطبقة الحاكمة لا يعرف مدى الأضرار اللاحقة بشعب فلسطين من جراء ما يجري، لكنهم بانتظار شيء ما من طرف ما خارجي، ويعتبرون أن على الشعب الفلسطيني الانتظار، وعليه أن يفرح لكثرة لقاءات المصالحة وإنهاء حالة الإنقسام .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى