مقال

الإسلام مع أهل سمرقند

جريده الأضواء

الدكروري يكتب عن الإسلام مع أهل سمرقند
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله مصرف الأمور، ومقدر المقدور، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وهو الغفور الشكور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنفع يوم النشور، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله المبعوث بالهدى والنور، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، فازوا بشرف الصحبة وفضل القربى ومضاعفة الأجور، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الآصال والبكور، فإنهم مساكين أولئك الكفار، لم يعرفوا حقيقة النبي المختار، ذو الرفعة والإكبار المؤيد بربه الواحد القهار، لم يدركوا أنهم نبي هذه الأمة جمعاء عرب وعجم بل لجو في عتو ونفور، وزهو وغرور، غفلوا عن سيرته وتعاموا عن سجيته وتغافلوا عن رحمته وأيم الله لقد بلغت شفقة الحبيب صلى الله عليه وسلم ورحمته كل شيء، حتى نالت الكفار.

وهم يقعون فيه ويسبونه ويسيئون إليه ويشتمونه، ويستهزءون به ويرسمونه، فانظروا إلي أعظم محاكمة في التاريخ حدثت مع أهل سمرقند، وقد فتحها القائد الفاتح قتيبة بن مسلم، وكانت قد تم فتحها بعد أن صالَح قتيبة أهلها،وولى عليها سليمان بن أبي السّريّ، فلما قَدم سليمان إلى سمرقند قال له أهلها إن قتيبة ظلمنا، وغدر بنا، وأخذ بلادنا، وقدأظهر الله العدل والإنصاف، فأذن لنا ليقدم وفد منا على أمير المؤمنين، فأذن لهم، فوجهوا وفدا منهم إلى الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز، وشكوا إليه أمرهم، فكتب عمر إلى سليمان بن أبي السري يقول له إن أهل سمرقند شكوا ظلما وتَحاملا من قتيبة عليهم، حتى أخرجهم من أرضهم، فإذا أتاك كتابي فأجلس لهم القاضي لينظر فيأمرهم، فإن قضى لهم فأخرج العرب من معسكرهم.

كما كانوا قبل أن يظهر عليهم قتيبة، وذلك في عصر الخليفة الراشد عمر بن العزيز رضي الله عنه عند فتح سمرقند على يد قائد عظيم قتيبة بن مسلم، وبدأت المحاكمة؟ ناد الغلام “ياقتيبة” هكذا بلا لقب، فجاء قتيبة وجلس هو وكبير الكهنة أمام القاضي جميعهم، قال القاضي “ما دعواك يا سمرقندي؟” قال “اجتاحنا قتيبة بجيشه، ولم يدعنا إلى الإسلام ويمهلنا حتى ننظر في أمرنا” فالتفت القاضي إلى قتيبة وقال “وما تقول في هذا يا قتيبة؟” قال قتيبة “الحرب خدعة، وهذا بلد عظيم، وكل البلدان من حوله كانوا يقاومون ولم يدخلوا الإسلام ولم يقبلوا بالجزية” فقال القاضي “يا قتيبة هل دعوتهم للإسلام أو الجزية أو الحرب؟” قال قتيبة “لا إنما باغتناهم لما ذكرت لك” فقال القاضي “أراك قد أقررت، وإذا أقر المدعى عليه انتهت المحاكمة.

يا قتيبة ما نصر الله هذه الأمة إلا بالدين واجتناب الغدر وإقامة العدل” ثم قال “قضينا بإخراج جميع المسلمين من أرض سمرقند من حكام وجيوش ورجال وأطفال ونساء، وأن تترك لهم الدكاكين والدور، وأن لا يبقى في سمرقند أحد، على أن ينذرهم المسلمون بعد ذلك” لم يُصدّق الكهنة ما شاهدوه وسمعوه فلا شهود ولا أدلة، ولم تدم المحاكمة إلا دقائق معدودة، ولم يشعروا إلا والقاضي والغلام وقتيبة ينصرفون أمامهم، وبعد ساعات قليلة سمع أهل سمرقند بجلبة تعلو وأصوات ترتفع وغبار يعمّ الجنبات، ورايات تلوح خلال الغبار، فسألوا؟ فقيل لهم “إنَ الحكم قد نم تنفيذه وأن الجيش قد انسحب” في مشهد تقشعر منه جلود الذين شاهدوه أو سمعوا به.

وما إن غرُبت شمس ذلك اليوم إلا والكلاب تتجول بطرق سمرقند الخالية، وصوت بكاء يُسمع في كل بيت على خروج تلك الأمة العادلة الرحيمة من بلدهم، ولم يتمالك الكهنة وأهل سمرقند أنفسهم لساعات أكثر، حتى خرجوا أفواجا، وكبير الكهنة أمامهم باتجاه معسكر المسلمين وهم يرددون شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى