مقال

الإمام أبو حنيفة والفرار من القبح

جريده الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام أبو حنيفة والفرار من القبح
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله مصرف الأمور، ومقدر المقدور، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وهو الغفور الشكور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنفع يوم النشور، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله المبعوث بالهدى والنور، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، فازوا بشرف الصحبة وفضل القربى ومضاعفة الأجور، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الآصال والبكور، أما بعد فإنه رُوي عن الإمام أبي حنيفة أنه قال آخذ بكتاب الله تعالى، فإن لم أجد فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم أجد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذت بقول الصحابة، آخذ بقول من شئت منهم وأدع قول من شئت منهم، ولا أخرج عن قولهم إلى قول غيرهم.

فإذا انتهى الأمر إلى إبراهيم والشعبي وابن سيرين والحسن وعطاء وسعيد بن المسيب وعدد رجالا، فقوم اجتهدوا، فأجتهد كما اجتهدوا، وقال سهل بن مزاحم كلام أبي حنيفة أخذ بالثقة وفرار من القبح، والنظر في معاملات الناس وما استقاموا عليه وصلح عليه أمورهم، يمضي الأمور على القياس، فإذا قبح القياس أمضاها على الاستحسان، ما دام يمضي له، فإذا لم يمض له رجع إلى ما يتعامل المسلمون به، وكان يؤصل الحديث المعروف الذي قد أجمع عليه، ثم يقيس عليه ما دام القياس سائغا، ثم يرجع إلى الاستحسان أيهما كان أوفق رجع إليه، وإن هذه النقول وغيرها تدل على مجموع المصادر الفقهية عند الإمام أبي حنيفة، فهي القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، والإجماع، والقياس، والاستحسان، والعُرف والعادة.

ولقد ألف الإمام المرتضى الزبيدي كتابا في أدلة المذهب الحنفي أسماه “عقود الجواهر الحنيفة في أدلة مذهب الإمام أبي حنيفة” وإن القرآن الكريم عند الإمام أبي حنيفة هو المصدر الأول والأعلى في مسائل الفقهية، لأنه الكتاب القطعي الثبوت، لا يُشك في حرف منه، وأنه ليس يوازيه ولا يصل إلى رتبته في الثبوت إلا الحديث المتواتر، لذلك لا يرى نسخ القرآن الكريم بخبر الآحاد من السنة، وإنما يعمل بها ما أمكن، وإلا ترك السنة الظنية للكتاب القطعي، ولا يجعل الإمام أبو حنيفة السنة النبوية في رتبة واحدة، بل يقدم مثلا السنة القولية على الفعلية، لجواز أن يكون الفعل خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم، ويقدم السنة المتواترة على خبر الآحاد عند التعارض وعدم إمكان الجمع بينهما.

بل إنه يترك العمل بخبر الآحاد إذا خالف قاعدة شرعية مأخوذة من نص القرآن أو السنة، وأما عن الإجماع، فهو ما أجمع عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وما اختلفوا فيه لا يخرج عن أقوالهم إلى أقوال غيرهم، والإجماع هو اتفاق الأئمة المجتهدين في عصر من العصور بعد انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم عن الدنيا على حكم شرعي، والإجماع عند الإمام أبي حنيفة حجة معمول به، وأيضا القياس، وهو إلحاق فرع بأصل فيه نص بحكم معين من الوجوب أو الحرمة، لوجود علة الحكم في الفرع كما هي في الأصل، والإمام أبو حنيفة يقدم السنة ولو كان حديثا مرسلا على القياس، كما يقدم الحديث الضعيف على القياس، وكذلك الاستحسان، وهو طلب الأحسن للاتباع الذي هو مأمور به.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى