مقال

معاملة الناس على أساس قيم واحدة

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن معاملة الناس على أساس قيم واحدة
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله مصرف الأمور، ومقدر المقدور، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وهو الغفور الشكور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنفع يوم النشور، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله المبعوث بالهدى والنور، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، فازوا بشرف الصحبة وفضل القربى ومضاعفة الأجور، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الآصال والبكور، فاللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد الذي قال في الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلا أسود أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله، إني رجل أسود، منتن الريح، قبيح الوجه، لا مال لي، فإن أنا قاتلت هؤلاء حتى أقتل، فأين أنا؟ قال في الجنة، فقاتل حتى قتل، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال قد بيّض الله وجهك، وطيب ريحك.

وأكثر مالك، وقال لهذا أو لغيره، لقد رأيت زوجته من الحور العين، نازعته جبة له من صوف، تدخل بينه وبين جبته” رواه الحاكم، فعلينا أن نجتهد ونخلص في طلب الشهادة حتى يعطينا الله عز وجل أجرها فعن سهل بن حنيف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” من سأل الله الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه” رواه أحمد، وقال تقي الدين السبكي في هذا الحديث ” والذي نعتقده أن الله يعطيه مرتبة الشهداء لقصده وسؤاله وعدم تمكنه من الوصول إليها” فمن أراد منكم أن يكون محترما، فليعامل الناس على أساس قيم واحدة لأن الشخص المهذب اللطيف الكريم، لا يستطيع أن يتلون في سلوكه، ولا أن يلقى الناس بوجوه متعددة، إنه يكرم الجميع، ويصبر على الجميع، ويحاول فهم الجميع، ويعمل على مساعدة الجميع.

ولهذا فإنه محترم ومقدر من قبل الجميع، واحترام الناس يعني فيما يعنيه احترام اجتهاداتهم واختياراتهم وأذواقهم، ما دام ذلك في إطار المباح والمشروع، فحاولوا دائما اختيار الكلمات والجمل المعبرة عن أصالتكم وترفعكم عن الدنايا، واهجروا الألفاظ السوقية التي يستخدمها الأشخاص غير المحترمين، واعملوا دائما على ألا تكونوا مصدر إزعاج لأحد، وألا تفاجئوا أحدا بمكروه، وتعلموا التأنق في التصرف، وطالعوا شيئا من الكتب المؤلفة في ذلك، ومما لا شك فيه أن نهضة الأمم تتوقف كثيرا على إظهار القدوات الصالحة، وكثرة النماذج الطيبة، وإحياء تاريخ الأماجد من أبنائها وعلمائها، وتوجيه الشباب والناشئة وأبناء الأمة على اختيار الأماثل وأصحاب الهمم العالية والمنجزات الرائعة وتحريضهم على اتخاذهم إسوة وقدوة، فإن التربية بالقدوة من أهم وسائل التربية.

وقد ربى الله هذه الأمة على ذلك، ونبهها إلى هذا الأمر الخطير، وأمرها أن تتخذ لها قدوة وإسوة، وأنها لن تجد أعظم من رسولها صلوات الله عليه ليكون في مقدمة من تقتدي بهم، فقال الله تعالى فى سورة الأحزاب “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة” ولبيان مقام القدوة ومنزلة التأسي بالطيبين، أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم وهو قدوة الأولين والآخرين، أن يلزم هذا الدرب، ولما لم يكن في زمنه من يصلح ليكون قدوة له أمره أن يقتدي بإخوانه من المرسلين، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكر بعض الأنبياء والمرسلين “أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده” فإن الإنسان بطبعه يميل إلى التقليد، وعلى هذا فإن المسلم إذا أبرزت أمامه القدوات الطيبة والنماذج الراقية فإنه يسارع إلى تقليدها والتأسي بها.

وكذلك العكس كما يحدث عند انتشار الفساد وظهور الظلم والبغي والاستبداد والتقهقر، تظهر قدوات من الرعاع والسفلة، ويرفع من لا يستحق إلا الضعة، ويكرم من لا يليق بهم إلا الإهانة، ويصبح رموز المجتمع من اللاعبين والراقصين والفنانين والساقطين، ويتأخر أهل العلم وأصحاب الجد، والصادقون، ويصبحون بلا قيمة في مجتمعهم، ويتقدم ليقود المشهد أناس لا خلاق لهم، ولهذا تزداد هذه الأمم سفولا وسقوطا ونزولا، فإن بداية البعث لأي أمة ميتة، واليقظة لأي أمة نائمة، إنما تكون بتنصيب قدوات ترتفع الأمة بالتشبه بهم والسير على طريقهم والنسج على منوالهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى