مقال

الذين ينفقون أموالهم

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الذين ينفقون أموالهم
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي جعل حب الوطن أمرا فطريا والصلاة والسلام على من ارسله الله تعالى رسولا ونبيا وعلى آله وصحابته والتابعين لهم في كل زمان ومكان، أما بعد إن من الأعمال الصالحة ذلك العمل الذي غفل عن عظيم أجره بعض المسلمين، ألا وهو الذهاب إلى المسجد والرجوع منه، فبعض المسلمين يظن الأجر إنما يكون على الذهاب إلى المسجد، أما الرجوع من المسجد فلا أجر فيه، لكن هذا الظن خلاف الصواب، فعن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال كان رجل من الأنصار، لا أعلم أحد أبعد من المسجد منه، وكانت لا تخطئه صلاة فقيل له لو اشتريت حمارا تركبه في الظلماء وفي الرمضاء فقال ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي.

فسمع النبي صلي الله عليه وسلم ما قال الرجل فقال “قد جمع الله لك ذلك كله” رواه مسلم، وربما كان العمل واجبا على العبد بمقتضى الطبع والفطرة والعادة، ومع ذلك فقد جعل الله لصاحبه أوفر الثواب وأوفاه، ولعل أقرب مثال على ذلك إنفاق الرجل على زوجه وعياله، فإنه واجب عليه لا منة له فيه، ولو لم يقم به لناله الذم وربما العقاب، ومع ذلك جعل له لمن قام به محتسبا الأجر العظيم والثواب الكريم، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك” فالحمد لله الذي جعل لنا في ما لابد لنا منه أجرا.

ويا لخسارة أولئك الذين ينفقون أموالهم ثم لا يحتسبون أجرها وبرّها، فإنها دعوة لكل مسلم أن يخلص نيته ويستحضر احتساب الأجر في جميع أحواله لئلا يُحرم فضل ربه سبحانه، وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه” رواه مسلم والترمذي وفيه ” من عال جاريتين كنت أنا وهو في الجنة كهاتين” وقد جاءت إلى السيدة عائشة رضي الله عنها مسكينة جائعة تحمل ابنتين لها، فتصدقت عليها السيدة عائشة رضي الله عنها بما كان في بيتها وهو ثلاث تمرات، فأعطت المرأة كل واحدة من البنتين تمرة ورفعت الثالثة إلى فمها لتأكلها، ولكن البنتين الجائعتين أكلتا تلك التمرتين وطلبتا تمرة أمهما.

فرحمتهما الأم وشقت التمرة نصفين واعطت كل واحدة نصفا، فتعجبت السيدة عائشة رضي الله عنها من صنيع هذه المرأة فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بما صنعت المرأة فقال “إن الله قد أوجب لها الجنة” رواه مسلم، فإن العبد المؤمن إذا سمع الآيات والأحاديث التي يذكر فيها عظيم فضل الله وعظيم ما أعده للعاملين من عباده، فإن نفسه تتوق إلى العمل الصالح، وقلبه يشتاق إلى ما أعده الله لمن أحسن عملا فيقول تعالي “تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون، فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون” وإن ذلك النشاط وتلك القوة التي تنبعث عند سماع الذكر هو دليل على الإيمان ومحبة الرحمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى