مقال

مرور الأمم بالمحن والشدائد

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن مرور الأمم بالمحن والشدائد
بقلم / محمـــد الدكــروري
اليوم : السبت الموافق 6 يناير 2024

الحمد لله الكريم الجواد، خلق الإنسان من نطفة وجعل له السمع والبصر والفؤاد، أنزل الغيث مباركا فأحيا به البلاد، وأخرج به نبات كل شيء رزقا للعباد، نحمده تبارك وتعالى حمد الطائعين العبّاد، ونتوكل عليه توكل المخبتين الزهاد، ونعوذ بنور وجهه الكريم من الوعيد بسوء المهاد، ونرجوه تحقيق الأمل في الوعد والمعاد، ونسأله النصر في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وأشهد أن لا إله إلا الله المضل الهاد، المنزه الذات عن الأشباه والأنداد، الفعال لما يريد ولا يقع في ملكه إلا ما أراد، خلق سبع سموات طباقا بغير عماد، ومن الأرض مثلهن وأرسى الجبال كالأوتاد، سبقت كلمته أن من أطاعه عز في الأرض وساد، ومن كفر أمهله وهو له بالمرصاد، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد الأسياد.

سيد الأولين والآخرين من حاضر وباد، خير من دعا وهدى وبالخير العظيم جاد، المبعوث رحمة فينا وبشفاعته يغاث العباد، المبشر بالأخوة والمحبة ونبذ الغل والأحقاد، أشجع الناس قاطبة إذا دعا داعي الجهاد، وأكرم الناس طرّا إذا عز مال أو قل زاد، بُعث والقوم في ذل الشرك قد ساد فيهم الأوغاد، ودعاهم إلى الهدى فلم يجِد منهم إلا العناد، أراد بهم خيرا وتربصوا به الدوائر على كل جبل وواد، وحين خضعت أعناقهم بفتح مكة وأصبحوا كالرماد، نادى بعفوه وبالصفح الجميل من قبله المناد، فاللهم صل وسلم وبارك عليه حيث الصلاة عليه لنا خير زاد، ما نادى للصلاة مناد، وكلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون إلى يوم التناد، ثم أما بعد فإنه لا ريب أن الأمم تمر بمحن وشدائد، تهذبها تارة.

وتربيها تارة، وترفع عنها غبار الطريق تارة أخرى، كما أن المحن قد تكون صورة من العقاب والتوبيخ، وإن من المحن والرزايا التي أصابت أمتنا اليوم في مقتل الغفلة بما تعنيه هذه الكلمة من معانٍ وحقائق، مِن التيه والنسيان، في شتى مجالات الحياة البشرية، وإن النهاية الحقيقية لكل كائن حي هى الموت، وإن الموت هو الخطب الأفظع، والأمر الأشنع، والكأس الذي طعمها أكره وأبشع، لأنه هادم اللذات، وقاطع الراحات، وجالب الكريهات، فإنه أمر يقطع أوصالك، ويفرق أعضاءك، ويهدم أركانك، لهو الأمر الأفظع، والخطب الجسيم، وإن يومه لهو اليوم العظيم، فهل تفكرت يا ابن آدم في يوم مصرعك؟ وانتقالك عن موضعك؟ إذا نقلت من سعة إلى ضيق، وخانك الصحب والرفيق، وهجرك الأخ والصديق.

وأخذت من فراشك وغطائك إلى غرر، وغطوك من بعد لين لحافها بتراب ومدر، فيا جامع والمال، والمجتهد في البنيان، ليس لك من مالك والله إلا الأكفان، بل للخراب والذهاب، وجسمك للتراب والمآب، فأين المال الذي جمعته؟ هل أنقذك من هذه الأهوال؟ وإذا فكر الإنسان في الميت، فعليه أن يفكر كيف قد سالت العيون، وتفرقت الخدود، فإنهم مساكين أهل القبور، عن يمينهم التراب، وعن يسارهم التراب، ومن أمامهم التراب، ومن خلفهم التراب، فكانوا أهل الدور والقصور، فصاروا أهل التراب والقبور، وكانوا أهل النعمة فصاروا أهل الوحشة والمحنة، وقد سالت العيون، وصدأة الجفون، وتقطعت الأوصال، وبطلت الآمال، وصار الضحك بكاء، والصحة داء، والبقاء فناء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى