مقال

عرش بلقيس عند سليمان

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن عرش بلقيس عند سليمان
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأحد الموافق 7 يناير 2024

الحمد لله العزيز الغفار، خلق الإنسان من صلصال كالفخار، وخلق الجان من مارج من نار، أرسى الجبال وأجرى الأنهار، وأنزل الغيث وأنبت الأشجار، سخر لنا الفلك ومهد لها أمواه البحار، وخلق الشمس والقمر وقلب الليل والنهار، صورنا فأحسن صورنا، وجعل لنا السمع والأفئدة والأبصار، نحمده تبارك وتعالى حمد المتقين الأبرار، ونعوذ بنور وجهه الكريم من خلق الأشرار، ونسأله السلامة من دار البوار، ونرجوه أن ينير لنا الطريق فنتبين النافع من الضار، وأن يجعلنا بفضله من المطهرين الأطهار، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار، الملك فوق كل الملوك القوي الجبار، المستوي على عرشه دون حلول أو مماسَّة أو استقرار، العظمة رداؤه والكبرياء له إزار، ليس كمثله شيء، فلا تصل إلى كُنه ذاته العقول والأفكار.

اللطيف الخبير، فلا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، السميع البصير فلا تحجب رؤيتَه الظلمات والأستار، ويستوي في كمال سمعه الجهر بالقول والإسرار، القادر على كل شيء وكل شيء عنده بمقدار، المحيط بكل شيء فلا هروب ولا فرار، التائب على كل نادم قد أثقلته الأوزار، والباسط كف رحمته للمستغفرين بالأسحار، والمبشر للطائعين بعقبى الدار، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه من خيرة خلقة وحبيبه صلي الله عليه وسلم ثم أما بعد بعد ما سمع نبي الله سليمان عليه السلام حديث الهدهد أمره بالرجوع إليهم، وأن يسلمهم كتاب منه، فلما وصل بلقيس ملكة سبأ كتاب سليمان جمعت أهل الخبرة والمشورة لتقرأ الكتاب عليهم، فلما سمعوا ذلك أخبروها بقوتهم العسكرية ومهاراتهم، ثم أرجعوا الأمر لها.

فهم سيفعلون ما تريد ولكنها كانت أرجح عقلا منهم، وأكثر فطنة، فقالت لهم إن الملوك عند دخولهم القرى أو البلاد يفسدونها، فإذا كانت ثمة طريقة دون تدخل القوى العسكرية، فلا شك أنها أفضل، ثم قالت إنها سترسل لسليمان عليه السلام هدية، ولم تكن تدري أنه عليه السلام لم يكن ليقبل هدية من كافر، وقد ذكر المفسرون ورواة الأخبار أن هذه الهدية كانت من نفائس الأموال والجواهر، فلما رآها نبي الله سليمان عليه السلام، لم يعجب بها كما كانت تتوقع، وإنما رفض قبول الهدية، وأخبر الرسول أنه سيرسل لهم جنود لا قبل لهم بها وسيخرجهم من المملكة أذلة، فلما علمت بلقيس بذلك عزمت على الذهاب مع بعض أتباعها لمقابلة سليمان عليه السلام، وقال نبي سليمان عليه السلام لمن معه أيهم يستطيع أن يجيء له بعرش بلقيس، قبل أن يأتوا مسلمين؟

فقال مارد قوي من الجن إنه يستطيع أن يأتي به قبل أن ينهي سليمان مجلسه، ثم قال من عنده علم بالكتاب إنه يستطيع أن يأتي به قبل أن يعود إليه طرفه، وقد اختلفت كلمة المفسرين في الذي جاء بالعرش، وعلى كل حال فلما استقر عرش بلقيس عند سليمان، حمد الله وذكر أن ذلك من فضله، ثم طلب من جنوده أن يغيروا معالم بسيطة في عرشها، فلما دخلت بلقيس ملكة سبأ على نبي الله سليمان عليه السلام، ورأت العرش سألها، هل هذا عرشك؟ فوقعت في حيرة شديدة كيف يكون ذلك عرشها وقد تركته في حماية جنودها، وإذا قالت لا فكأنها لا تعرف شكل عرشها فردت ردا يدل على ذكائها فلم تقل نعم ولا لا، وإنما قالت كأنه هو، وبعد رؤية بلقيس ملكة سبأ هذه المعجزة، أسلمت مع بي الله سليمان عليه السلام.

وتركت عبادة الشمس هي وقومها، وبإسلامها أصبحت بلقيس الملكة المثلى بأن جمعت بين الجمال، الحكمة، السلطة، المال، الإيمان بالله تعالى، وكذلك فإن إسلامها ينم عن الحرية، الإباء، العزة، فلسفة التواضع، والصدق مع النفس التي تتمتع بها هذه الملكة العظيمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى