مقال

غيرة أمهات المؤمنين

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن غيرة أمهات المؤمنين
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله على جزيل النعماء، والشكر له على ترادف الآلاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، إمام المتقين وسيد الأولياء، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأصفياء، وأصحابه الأتقياء، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد لقد كانت بيوت النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته يمر بهن ما يمر ببنات جنسهن من بعض الخلافات، وإن كان الغالب عليها هو ما يكون من جراء الغيرة، التي جبلت عليه النساء عموما، وقد حكت شيئا من ذلك السيدة عائشة رضي الله عنها، فتقول “ما غرت على امرأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما غرت على خديجة” وفي حادثة أخرى تظهر زوجة أخرى من زوجاته صلى الله عليه وسلم وهي زينب بنت جحش، غيرتها من صفية رضي الله عنهما.

في طريق عودته صلى الله عليه وسلم لـما حج بنسائه برك بعير صفية رضي الله عنها، فقال صلى الله عليه وسلم لزينب بنت جحش، وكانت أكثرهن ظهرا “يا زينب أفقري أختك صفية جملا” فقالت أنا أفقر يهوديتك؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع ذلك منها، فهجرها، فلم يكلمها حتى رجع إلى المدينة والمحرم وصفر، فلم يأتها، ولم يقسم لها، ويئست منه، فلما كان شهر ربيع الأول دخل عليها” وهنا نرى أنه صلى الله عليه وسلم عاقب بقدر الجرم، فلأنها عيرت صفية رضي الله عنها، بيهوديتها بعد إسلامها، كان لا بد من عقاب يتناسب وتلك الزلة منها ” والهجر من أشد الأساليب أثرا على الزوجة، ولكنه أسرع في تعديل سلوكها ولم يتخذه صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف إلا لغلبة ظنه أن الهجر مجد فيها”

إذن، فالغيرة كانت موجودة على الجميع ومن الجميع، ولكن يظهر أن أشد الغيرة من زوجاته ما كان من السيدة عائشة رضي الله عنها، على السيدة خديجة رضي الله عنها، ولقد بلغت الغيرة أشدها في أحد المواقف لدرجة تمني الموت، فتقول السيدة عائشة رضي الله عنها “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج أقرع بين نسائه فطارت القرعة لعائشة وحفصة وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث، فقالت حفصة ألا تركبين الليلة بعيري وأركب بعيرك تنظرين وأنظر، فقالت بلى، فركبت فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى جمل عائشة وعليه حفصة فسلم عليها، ثم سار حتى نزلوا، وافتقدته عائشة، فلما نزلوا جعلت رجليها بين الإذخر، وتقول يا رب، سلط علي عقربا أو حية تلدغني ولا أستطيع أن أقول له شيئا”

وما ذلك التصرف من السيدة عائشة رضي الله عنها، إلا بدافع الغيرة منها، وحين النظر في بعض المشكلات التي حدثت في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، سنجد كل الحكمة في التعامل معها، وهذه إحداها ترويها السيدة أم سلمة رضي الله عنها، فتقول أنها أتت بطعام في صحفة لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فجاءت عائشة متزرة بكساء، ومعها فهر، ففلقت به الصحفة، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين فلقتي الصحفة ويقول كلوا، غارت أمكم، مرتين، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صحفة عائشة فبعث بها إلى أم سلمة وأعطى صحفة أم سلمة، عائشة” وإن تأمل هذا الموقف ليصيب الإنسان بالعجب، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يزد على قوله غارت أمكم.

ولم يتجاوز صلى الله عليه وسلم القول بضرب، أو هجر، أو غضب، أو تهديد بطلاق، وما ذلك إلا لأنه عرف السبب الدافع لذلك التصرف من السيدة عائشة رضي الله عنها، وهو الغيرة بين النساء، فتعامل معه بقدره وفي ضوئه، فانتهت المشكلة في وقتها وحلها صلى الله عليه وسلم من فوره، وهذه قاعدة مهمة في التعامل مع المشكلات الأسرية، وهي معرفة دوافع الفعل الصادر من الطرف الآخر الزوج أو الزوجة، فبمعرفة الدافع يزول كثير من الإشكال، ويمكن تجاوز المشكلة بأبسط الطرق، وهذا ما قام به صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يسمح لهن بتجاوز الحد الشرعي حتى وإن كان الدافع الغيرة، فالأمر إذن ليس على إطلاقه، فعندما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها.

ما قالت في حق السيدة صفية رضي الله عنها، وهو قول نابع من باب الغيرة، أنكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأرشد إلى الصواب، فعن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا وتعني قصيرة، فقال لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى