مقال

المواطنة في الإسلام والأنتماء للوطن

جريدة الاضواء

حماد مسلم يكتب عن
المواطنة في الإسلام والأنتماء للوطن
رسولنا الكريم في الهجرة من مكة للمدينة اخذ مرشدا له ولصاحبه عبدالله بن ارقيط ليرسل للعالم اجمع المعني الحقيقي المواطنة عزيزي القارئ إن كثيرا من المسلمين اليوم، وخاصة من الشباب، يعتبرون مفهوم المواطنة والانتماء الوطني من البدع المنكرة، التي يجب التبرؤ منها، وأن الرابطة الأساس التي يجب أن تربط المسلمين هي رابطة الدين، التي تتجاوز الحدود الوطنية، ولا تعترف بها. ويؤدي بهم هذا المعتقد إلى الطعن في الانتماء الوطني، والخروج عن مقتضياته، والقفز عن واجباته.. بل والأسوء من هذا كله الارتماء في أحضان جهات وتيارات تتآمر على مصالح وطنهم الأم، بحيث يتحولون ودون شعور منهم إلى محاربين لأوطانهم، وبلدانهم، يأتمرون بأمر قادة وزعماء لا صلة لهم بوطنهم..
إن هذه الآفة الكبيرة التي يعاني منها كثير من الشباب اليوم، والتي تحصد أرواحا، وتنهك أوطانا، تحتاج إلى حديث غير تقليدي، حديث إبداعي، يتأسس على الحجج والأدلة الدينية والعقلية التي من شأنها إقناع شبيبتنا أن المواطنة من الإسلام، وأن اللا وطنية خطر على الإسلام والوطن معا، وتقنعهم أيضا أن صدق الالتزام وتمام الاستقامة لا تكمل إلا بالقيام بمقتضى المواطنة.
ولعل من المناسب جدا في بداية هذا الحديث تعريف المواطنة، حتى يتحقق قدر من التواصل والتفاهم، فالمواطنة – أيها الأعزاء – كقيمة هي ملكة في النفس تصدر عنها الأفعال والتصرفات والأقوال التي تحترم الوطن، وتخدمه، وتؤدي حقوقه، وتنشأ هذه الملكة في النفس بالتربية والإرشاد والتعقل. وتتجلى قيمة المواطنة من الناحية العملية وبشكل ملموس في عدد من الأفعال والمواقف التي يقتضيها الانتماء للوطن من التضحية من أجله، والدفاع عنه، وخدمته، والعمل لأجل تقدمه ونهوضه، وتحسين موقعه وموقفه بين الأمم والأوطان الأخرى.
فأعمالنا ووظائفنا والجهود التي نبذلها فرادى وجماعات وفي سائر المجالات.. تكتسي شرعية أخلاقية وقيمة أخلاقية عندما تتجاوز مقاصد الكسب والربح والأجر الذاتي إلى مقاصد الإسهام في الجهد العام من أجل تقدم الوطن وازدهاره، بحيث يكون هذا الإسهام قيمة مضافة إلى القيمة المادية والمباشرة لعملنا اليومي، فالمعلم في قسمه والعامل في مصنعه والفلاح في حقله.. كل هؤلاء وهم يقومون بأعمالهم اليومية لا يخدمون ذاتهم وخاصتهم فقط، بل هم وبالإضافة إلى ذلك كله يخدمون وطنهم ويسهمون في تقدمه، فعملهم هذا له قيمة أخرى قيمة مضافة زيادة على قيمته المادية المباشرة والخاصة التي تتعلق بأعيانهم أو أفرادهم، هذه القيمة المضافة تجعل كل عمل هو بالضرورة عمل وطني، وتكبر هذه القيمة المضافة في هذه الأعمال، وتكبر معها معاني الوطنية إذا قام الإنسان بهذا العمل أو الأعمال وهو مدرك لمعانيها ومردودها الوطني.
إن المواطنة كقيمة كما أسلفنا تستند بالأساس إلى مفهوم الوطن وعليه تتأسس، والقيام بمقتضياته، فلا مواطنة بدون وطن، والوطن – أعزائي ليس رقعة جغرافية، وأرضا جامدة، وأنهارا أو وديانا وسهولا وجبالا فهذا فقط أساسه المادي، فالوطن بالأساس هو رحم وأهل ونسب أي انتماء اجتماعي، الوطن هو رأسمال وثروة ومقومات عيش طبيعية وابتدائية هي التي منحت الفرد فرصة الوجود على هذه البسيطة، والوطن هو تاريخ وتراث وماضي وهوية.. تمنح الفرد المعنى والخصوصية، الوطن هو المصير المشترك والمستقبل.. فأن يقول الإنسان أنا مغربي لا يعني أبدا الجغرافية، بل يتجاوزها إلى الدين واللغة والتاريخ والمصير.. كما أن الوطن يمنح أبناءه الهوية ويخرجهم من عالم النكرات. ربما البعض قد لا يقدر هذه النعمة حق قدرها، لكنه يمكن التماس بعض ذلك في الأمثلة والنماذج التي تصر على الوطنية بالرغم من افتقادها لأساسها المادي وهو الأرض والجغرافيا.
هذا الوطن.. الجغرافية، والنسب، والهوية، والتاريخ، والثروة، والمصير.. الذي منحنا وجودنا الثقافي والمادي، الذي منحنا الذاكرة والحاضر، الذي يمنحنا المستقبل، ألا يستحق منا شيئا؟ ألا يوجد في الإسلام ما يؤيد الاهتمام به ويجعله من الشرعيات؟
إن الاهتمام بالوطن والعناية به في هذا السياق هو بالأساس اهتمام بوجودنا، اهتمام بمقومات حياتنا المادية والثقافية، وضمان لاستمراريتنا بين العالمين، إذ لا وجود لنا بدون وطن. وهو ليس بضاعة تشترى. فاستهتارنا وتجاهلنا للوطن، ومقتضياته العملية التي هي المواطنة تؤدي بنا إلى التيه والاغتراب، فكثير من الناس – اليوم – يعانون من أحاسيس الغربة داخل أوطانهم، وقد يرتكبون بدافع هذه الأحاسيس جرائم وأفعالا خطيرة اتجاه وطنهم، وقد يتآمرون مع الأجنبي على وطنهم، لأنهم ببساطة شديدة يجهلون وطنهم، ولا يدركون منه سوى الجغرافية وفي أحسن الأحوال.
إن مفهوم الوطن وقيمة المواطنة من المفاهيم والقيم المحدثة التي لم تكن معروفة في زمن التنزيل، وفي القرون الوسطى، كما أنها من المصالح الناشئة.. غير أن هذا التأخر والحدوث وهذه الطبيعة كونه من الأمور المصلحية لا يعني أن الإسلام كمبدأ أخلاقي سلبي اتجاهها، ولا يمكن لعلمائه أن يحدثوا صلة ما بينه وبينها، فالإسلام باعتباره دينا مهيمنا على الزمان، وصالحا للمتقدمين والمتأخرين، وقادرا على التأقلم والتكيف مع كل الأوضاع التاريخية مهما استجدت، مطالب بأن يكون له موقف من هذه القضية.
وفي سياق هذا وبالعودة إلى قيمة المواطنة، نجد أن هذه الأخيرة تقوم على ثلاث قيم كبرى أساسية: حفظ الأمانة (الإخلاص)؛ الوفاء بالعهد؛ البر وصلة الرحم.
المواطنة أمانة وإخلاص:
إن الوطن الذي منحنا وجودنا المادي والثقافي، ويتحدد به وفيه مصيرنا يقتضي منا أن نخلص له وأن نؤدي أمانته، وقد جعل الله عز وجعل هذا الخلق وهذه الصفة من صفات المؤمنين، ومن الأخلاق الاجتماعية الأساس، قال سبحانه: {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون» إلى أن قال سبحانه: «والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون} (المؤمنون، 1- 8).
وقد فسر بعض المفسرين قول تعالى: «والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون» بقولهم: والأمانة والعهدُ يَجمعُ كُلّ ما يحمله الإنسان من أمر دينه ودنياه قولاً وفعلاً. وهذا يعم معاشرة الناس والمواعيدَ وغيرَ ذلك؛ وغاية ذلك حفظُه والقيام به. والأمانة أعم من العهد، وكل عهد فهو أمانة فيما تقدم فيه قولٌ أو فعلٌ أو معتقدٌ (القرطبي)، فالإخلاص للوطن والوفاء له من صفات المؤمنين.
“فلا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له”، كما قال عليه السلام، فالذي يخلص لوطنه ويقوم بالواجب اتجاهه باعتبار ما قدمه له، هو في النهاية يتخلق بخلق رفيع، امتدحه القرآن والنبي عليه السلام، بل ودلالة على مكانته قرنه عليه السلام بالإيمان.
ومما نزل من القرآن تأكيدا لهذا المعنى في الأمانة: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون} (الأنفال، 27). وقد نزلت هذه الآية في بعض المسلمين الذين تخابروا مع العدو، وعرضوا وطنهم وجيشهم للخطر، وقد ذكر بعض علماء أسباب النزول أنها نزلت عندما أفشى أحد المسلمين سر قرار النبي اتجاه بني قريظة في حربه عليهم، وقال آخرون حدثت هذه الحادثة في فتح مكة. ومهما يكن السبب فإنها دالة على خطورة خيانة الأمانة، وعدم الإخلاص للوطن بالتخابر مع أعدائه.
ومن أبلغ القصص وأصحها في هذا المعنى كذلك قصة الصحابي الجليل حاطب ابن أبي بلتعة، الذي خان وطنه، ودولته وتآمر مع الأعداء، وعرض جيش المسلمين للخطر، وذلك عندما كتب إلى مشركي قريش بعزم الرسول للتحرك ضدهم، وفيه نزل قوله تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ ٱلْحَقِّ} (الممتحنة، 1).
وهكذا؛ فالإخلاص للوطن، ومراعاة مصالحه من الدين، والتورط في مواقف وأفعال ضارة بالوطن يجعل صاحبها خائنا للأمانة، مجروح الإيمان.
المواطنة وفاء بالعهد:
إن الفرد الراشد في النظام السياسي المعاصر هو جزء من شرعية هذا النظام، وبينه وبين باقي الأفراد الذين يشاركونه الوطن والمنزل تعاقد اجتماعي – سياسي، تترتب عنه مجموعة من الحقوق والواجبات. وتتمثل هذه الحقوق والواجبات وتتصرف من خلال مجموعة من المؤسسات والقرارات… وقد يكون بعض الناس والأفراد غير موافقين على طبيعة النظام أو بعض عناصره أو مؤسساته، لكنهم وبقانون الأغلبية ملزمون بالتسليم لما عليه غالب الأمة، وبالتالي لا يجوز لأحد من الناس بدعوى معارضته لشرعية النظام أن يخرج عن مقتضى الوطنية، لأنه بذلك يكون خارجا عن الأمة والجماعة.
ومن ثم فقيام الفرد بالواجبات الوطنية مقابل الحقوق التي يتمتع بها في وطنه هو واجب أخلاقي، وهو التزام ووفاء بالعهد وقيام بما يقتضيه التعاقد السياسي الذي عليه تنبني شرعية كل شيء في الدولة الحديثة. وقد شدد القرآن الكريم على الوفاء بالعهد، ونزلت فيه كثير من الآيات، نذكر منها، قوله تعالى: َ{وأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} ﴾ (النحل، 91)، وقوله أيضا {وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون} (الأنعام، 152)، وفي سورة الإسراء {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} (الإسراء: 34).

المواطنة بر بالرحم الكبير والقرابة:
إن القرابة الوطنية هي من القرابات المعتبرة شرعا، فأبناء الوطن الواحد هم عائلة كبيرة، وأهل لبعضهم البعض، فالقيام بالواجبات الوطنية هو في نهاية التحليل قيام بالواجب اتجاه الأهل والعائلة الكبيرة، أو القرابة، وشكل من أشكال البر المطلوب شرعا. قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} (النساء:36).
وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء، 1)
فالإحسان للقرابة، والجيران، وأبناء الوطن.. هو مظهر أخلاقي يعبر عن صدق الوطنية.
ومن المواضيع القرآنية الشديدة الصلة بمعنى المواطنة، حديث القرآن الطويل عن فئة المنافقين في آيات وسور عديدة، فالمنافقون ليسوا أولئك الذين أظهروا الإسلام وأضمروا الكفر، بل بالإضافة إلى أولئك، هم فئة من الناس عاشت بين المسلمين، وانتمت لجماعتهم غير أنهم رفضوا التزام مقتضيات المواطنة، ورفضوا القيام بتكاليف المواطنة، وخرجوا عن الجماعة، وقد ظهر دورهم السلبي وتملصهم من مسؤوليات وواجبات المواطنة في عدد من المناسبات العسكرية، التي كانت فيها جماعة المسلمين مهددة في كيانها وسلامتها وأمنها.
إن الانتماء إلى الكيان الإسلامي في عصر النبوة، لم يكن متعلقا فقط الإقرار بالشهادتين وتوحيد الخالق، بل انضافت إليه تحملات اجتماعية واقتصادية وعسكرية، والتي نسميها واجبات المواطنة، وقد أشارت البيعات المختلفة التي بويع فيها رسول الله لهذا التحول. ففئة المنافقين في هذا السياق كانت تقر ظاهريا بالعلاقة الإيمانية لكنها نازعت في العلاقة السياسية، والظاهر من السياقات القرآنية المختلفة التي تعرضت لهذه الفئة الاجتماعية أن إشكالاتها مع الرسول والجماعة الإسلامية كانت سياسية بالأساس، أو على الأقل ظهرت في مواقف سياسية وعسكرية، ولا أدل على ذلك ما سجله القرآن بخصوصها؛ فقد أثبت القرآن قول عتبة بن ربيعة وناس معه من المشركين يوم بدر[1]: {إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم}.[2] وفي غزوة الأحزاب شكك المنافقون في بشائر الرسول (ص)، وسجل قولهم[3]: {وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا}.[4] وفي غزوة بني المصطلق بعد نزاع بين أعرابي وأحد الأنصار تدخل عبد الله بن أُبي مهددا المهاجرين ومعه جماعة، وقد أثبت القرآن بعض قولهم:[5] {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السموات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون}.[6]
كما أن قصة حاطب ابن أبي بلتعة تدل على نفس المعنى، فقد جاء في حديث عمر بن الخطاب أثناء محاكمته: يا رسول الله، دعني فلأضرب عنقه، فإن الرجل قد نافق.[7] فالنفاق في تداول الصحابة ليس مسألة إيمان وحسب، ولكنها بالإضافة إلى ذلك موقف سياسي منحاز إلى الفئة الكافرة، أو متردد في القبول بالمقتضيات السياسية للانتماء، التي هي في نظرنا مقتضيات المواطنة الصالحة، وكثير من المسلمين في بداية الدعوة آمنوا بالنبي (ص)، ولكنهم في الوقت نفسه نافقوه سياسيا، لمصالح مختلفة.
لقد اقتضت حكمة الله أن ينتظم الناس شعوبا وأمما، شعوبا قائمة على أساس التنوع والاختلاف، وقد أخبر الباري عز وجل في محكم تنزيله بهذه الحقيقة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات، 13).
فالمواطنة هي بالضرورة من توابع هذا الجعل الإلهي، فالانتماء لشعب ما والانتساب إليه يقتضي بالضرورة أن يكون الأفراد مواطنين، بينهم مشترك عمومي، يحصنونه، ويتبادلون داخله المنافع والمصالح، وهذا التبادل هو المواطنة عينها.
ولعل من أبلغ الآثار النبوية الدالة على معنى المواطنة التي ترد في كتب السير حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلي والله لولا أني أخرجت منك ما خرجت (ابن ماجة والترمذي وغيرهما).
فالرسول صلى الله عليه وسلم مكي، شديد الارتباط بمكة، وعندما اضطر للهجرة، لم يخف مشاعره اتجاه مكة، وعبر عن شديد تعلقه بها. وقد تجلت الأبعاد الوطنية في شخصيته عليه السلام في عدد من المواقف اتجاه أهل مكة وأعظمها حين فتح مكة، فقد خاطب قريش بعد دخول مكة بقوله عليه السلام: ما ترون أني فاعل بكم، قالوا: خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم، “وعزفوا على وتر القرابة” فقال: أقول كما قال أخي يوسف: {قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين} (يوسف:92): اذهبوا فأنتم الطلقاء.
ومما يذكر في هذا المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم في أحد وقد شج وجهه وجرح، دعا لقريش بالمغفرة، واعتبرهم من قومه ودعا لهم عليه السلام قائلا: “اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون” (رواه البخاري).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى