مقال

الكذب ثلث النفاق

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الكذب ثلث النفاق
بقلم/ محمـــد الدكـــروري
اليوم : الثلاثاء الموافق 30 يناير 2024

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي شملت رحمته صلى الله عليه وسلم البهائم التي لا تعقل، فكان يحث الناس على الرفق بها وعدم تحميلها ما لا تطيق فقد روى الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته فليرح ذبيحته” ودخل النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرة بستانا لرجل من الأنصار فإذا فيه جمل، فلما رأى الجمل النبي صلى الله عليه وسلم ذرفت عيناه، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح عليه حتى سكن.

فقال “لمن هذا الجمل؟” فجاء فتى من الأنصار فقال لي يا رسول الله فقال له “أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكا لي أنك تجيعه وتتعبه” رواه أبو داوود، فاللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وأصحابه أجمعين، أما بعد لما علم الصالحون خطورة الكذب وأنه ثلث النفاق، وأنه يهدى إلى الفجور، خافوه على أنفسهم، فعندما حضرت الوفاة عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال “إنه كان خطب إلي ابنتى رجل من قريش، وقد كان مني إليه شبه الوعد، وأخاف أن ألقى الله بثلث النفاق أشهدكم أني زوّجته” وكان الأئمة يستدلون بحركات الناس وأفعالهم وكلامهم على صدقهم، ولما خرج البخارى يطلب الحديث من رجل فرآه يشير إلى دابته برداء كأن فيه شعيرا وليس فيه شيء رجع.

وقال “لا آخذ الحديث عمن يكذب على البهائم” وقال الأحنف بن قيس “ما كذبت من يوم أسلمت إلا مرة واحدة” وكان السلف يدققون فيه جدا، ولقد لقى الإمام أحمد رحمه الله، بعض أصحابه فقال كيف حال أولادك؟ فقال الرجل يقبّلون يديك، قال الإمام أحمد “لا تكذب” وإن الكذب له دواع كثيرة ومنها أن يجلب لنفسه مغنما أو يدفع عن نفسه ضررا، أو أن يقول الناس لا يقبلون حديثي ويقبلون عليّ إلا إذا كذبت، ولأني لا أجد من الأخبار الصحيحة ما أطرفهم به ويستظرفون به حديثى، فيستحل الكذب ويأتى بعجائب وغرائب من أجل أن يضحك الناس ويجمعهم حوله، وقد يكون الكذب من أجل التشفي بالخصم فيكذب عليه لأجل تشويه سمعته مثلا وهكذا، وهذا الكذب خلق ذميم من اعتاده صعب عليه جدا أن يتخلص منه.

لأن العادة طبع ثانى، إنسان فيه طبع يولد من بطن أمه فيه، والعادة التي يتعود عليها الإنسان طبع ثانى ويصعب جدا تغيير الطباع، وقال بعض السلف “من استحلى رضاع الكذب عسر عليه الفطام” وقال بعضهم لولده “يا بُنى، احذر الكذب فإنه شهى كلحم العصفور من أكل منه شيئا لم يصبر عنه” وقال الأصمعى “قيل لكذاب ما يحملك على الكذب؟ قال “أما إنك لو تغرغرت بمائه ما نسيت حلاوته” وقيل للكذاب هل صدقت قط؟ فقال أخاف أن أقول لا فأصدق” وإن أصل الحياة الطيبة وقاعدة السعادة المنشودة وأساس العاقبة الحسنة في العاجل والآجل يكمن في الصدق مع الله عز وجل ظاهرا وباطنا، قولا وفعلا، طاعة وامتثالا، فعلى هذا المرتكز تتحقق الثمار الطيبة والنتائج المرضية دنيا وأخرى، ويقول الله تعالى فى سورة محمد ” فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى