القصة والأدب

إرادة حرة “

جريدة الاضواء

قراءة فنية في نص “من وصاياها “بعنوان “إرادة حرة ”
للكاتب والإعلامي المتميز للأستاذ أشرف كمال .
د/الأديبة آمال بوحرب تونس

الأدب بتعبير “ماريو باركاس يوسا” أفضل ما تم اختراعه للوقاية من التعاسة، ولعل طريقه أكثر الطرق اختصارا إلى جعل الإنسان يحس بإنسانيته المفقودة، وجعله يعثر على سبيل للعودة إلى فطرته الأولى.
إن كانت هذا المقولة تفي بطريفة او أخرى عن التعبير عن رؤية معينة للادب فاني مع اختيار هذا النص من وصاياها “اردت أن أستدل بما قالته رئيسة التحرير لمجلة le point كاترين غوليو في اختيارنا لبعض النصوص التي ترقى يصاحبها إلى الإبداع تقول : «لماذا نهتم بكانط؟ لماذا نكرس له عدداً خاصاً؟ لسبب بسيط، هو أنه يعلمنا كيف نستخدم عقولنا بشكل صحيح .
إذ يقول كانط : «إن روسو هو الذي أعادني إلى رشدي ووضعني على الطريق الصحيح ففي السابق ما كنت أحترم إلا العلماء والفلاسفة والمثقفين والمتعلمين، ولكني الآن أصبحت أحترم كل إنسان في كرامته الإنسانية والأخلاقية».
وبدوري أقول إن كان الابداع هو كل يلهمنا لطرح الاسئلة والبحث عن إجابات مختلفة فإن ما كتبه الإعلامي المتميز في من وصاياها ما شدني فعلا لكتابة هذه القراءة المتواضعة
ورأيت فيها من مقولة نيتشة ” الكثير “عندما كتب “من يملك غاية للعيش يمكنه تحمّل أيّ شيء يعترضه في الحياة”.
النص “من وصاياها… لا تؤجّل أفراحك يا أشرف، فالعمر موجة تركبها وفي قلبك وعود وأمنيات وسرب حمام زاجل، وتنزل وقد طارت الحمامات وتاهت الأمنيات واحترقت المواعيد. لا تدع مركب العمر يمضي دون أن تسكب من روحك في صهيل الموج فيستحيل الملح برتقالا وزيتونا ودون أن يخضرّ زرع قصائدك فيسقي الطير المهاجرة ويطعم جوعها المستفز. الطيور كائنات معجزة يا أشرف، حدّثها عن صبر الجبال في صدرك ستحدّثك عن بذرة الأمل الضئيلة تزرعها يد الله بعناية فتثمر في الوقت المناسب وفي المكان المناسب كما لو أنّها ما خُلِقت إلا لتدهشك. بذرة بحجم دمعة، بحجم قطرة ندى، ذرّة من نور انتشرت بين هباءات هذا الكون العظيم لتعلّمك أن الحياة جديرة فعلا بأن تُعاش. الحياة حرب يا أشرف، معركة حامية الوطيس، والجبال الشاهقات في صدرك أكوام قطن وورق ورد مبلّل بمسك الإرادة. إرادتك الحرّة وحدها التي ستجعلك تربح نفسك وتعلّمها المعنى الحقيقي للسلام الأبدي.”
الدلالة المادية في النص :من خلال استقراء النص السردي(ارادة حرة) نكتشف عدة دلالات ومهيمنات من ابرزها الدلالة الزمانية وتداخلها مع الدلالة المكانية باعتماد السردية الحكائية وتوظيف الفاظ موحية بواقعية الأماني فاتسعت مساحته الدلالية فالعمر ومحطات القطار تداخلت واحترقت المواعيد وكأن بالكاتب قد اختزل الرموز وهي السمة الأسلوبية في الارتقاء بعوالم النص وتبين احترافية مقصودة في الهيمنة على توجيه النص نحو عمق الفكرة
من خلال هذه الجمل البسيطة في التراكيب السهلة الممتنعة في العمق يجمع الكاتب الأحلام والآمال والإرادة عندما يترجم الاحاسيس والانفعالات بنسج سردي مشهدي عبر حوار (مونولوجي) يحقق الفكرة والعمل داخل اللغة..اضافة الى توظيف منتجه الفعل الدرامي الذي ياخذ ابعادا نفسية واجتماعية على سبيل الذكر في قوله ( لا تؤجّل أفراحك يا أشرف، فالعمر موجة تركبها وفي قلبك وعود..)..
ما بين المعنى الحسي والذهني في لمحة تستفز الذاكرة وتحرك ذهن المتلقي ليكون بمستواه الفكري والمعرفي.. (ذرّة من نور انتشرت بين هباءات هذا الكون العظيم لتعلّمك أن الحياة جديرة فعلا بأن تُعاش )
الاختزال والتكثيف : هذا النص يمتاز بوعي شعري عميق باعتماده الاختزال والتكثيف ونهاية اسلوبية تشتمل على دلالات واعية (إرادتك الحرّة وحدها التي ستجعلك تربح نفسك وتعلّمها المعنى الحقيقي للسلام الأبدي..) وان قدم الكاتب نصا يكشف عما يختمر في الذاكرة من مشاهد اتسمت بجمالية الاسلوب وعمق المعنى ودقة اختيار الالفاظ الموحية البعيدة عن التقعر والضبابية.
ولعل هذا ما يميزه عن غيره في الواقعية إن كنت تملك هادفًا ساميًا في الحياة، فلن تستسلم أبدًا مهما ازدادت صعوبة الظروف. الغاية تُضفي معنى على حياتنا وتحرّك مشاعرنا وحينما تتحرّك المشاعر فإنّنا نكتسب طاقة لا حدود لهاوهذه الطاقة هي الوقود الذي سيدفعنا قدمًا نحو طموحاتنا ويساعدنا في أوقات الشدّة والصعاب كي لا نستسلم ونتخلّى عن أهدافنا.
فعندما نكتب يختفي مقياس الزمن ولكن يبقى السؤال الجوهري كم من الوقت تملك لنفسك؟ كم من الوقت تقضيه في العمل لتحسين ذاتك وتطويرها؟
الجواب الصادق عن هذا السؤال سيكشف لك ما إذا كنت إنسانًا حرًّا أم أنّك مقيّد بسلاسل الاستعباد للفكرة المكررة
وللنسخ الذي يأخذ من الكاتب كل إبداعاته وهذا ما يدفعنا الى البحث عن روح الكاتب من خلال كلماته وصدقها فعندما يطلب منها أن تحدثه عن روح الجمال في صدره )هذا هي شفافية مطلقة فلا يمكن أن نبحث عن الجمال إلا من داخلنا اولا ثم نهديه حروفا لمن نراه جميلا .
البعد الأخلاقي في النص : وتعتبر النصوص القصيرة من أكثر الأجناس الأدبية قربا من المتلقي وترجمة لمشاعره وأحاسيسه، فقد اعتبرا أيضا حقلا خصبا يمكن للنقد الأخلاقي أن يتكأ عليه من أجل تبيان التقعيد لمنهجه من جهة، ومن أجل تبيان مدى تأثير الأدب في نفوس متلقيه من جهة أخرى بترشيد سلوكهم إلى نهج الأخلاق السامية وقد استوعب هذا النص مجموعة من القيم الأخلاقية فالحرية تتطلب الصبر والتعلم التدريجي لمعاني الحياة والمسؤولية تتطلب الحكمة يقول الكاتب “إرادتك الحرّة وحدها التي ستجعلك تربح نفسك وتعلّمها المعنى الحقيقي للسلام الأبدي.” فالأدب كما قال المسعدي “مأساة أو لا يكون ” ولكن تبقى الإشكالية قائمة
هل الكلمة تكفي لتعبّر بحق عن حاجات الإنسان ومتطلباته اليومية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى