مقال

الدكروري يكتب عن شهر الجهاد والفتوحات

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن شهر الجهاد والفتوحات
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الثلاثاء الموافق 12 مارس 2024

إن الحمد لله شارح صدور المؤمنين، فانقادوا إلى طاعته وحسن عبادته، والحمد له أن حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، يا ربنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، ونشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، وصلى اللهم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين أجمعين، أما بعد لقد كانت غزوة بدر المعركة الأولى الفاصلة فى التاريخ الإسلامى، فيها فرق الله بين الحق والباطل، وخذل الكفر وأهله، وقتل فيها صناديد قريش ومجرميها، وهي الحدث الذي غير مجرى التاريخ، وكانت البوابة الأولى لغزوات متتابعة أدت في النهاية للفتح الكبير وهو فتح مكة واندحار الكفر ورفعة الإسلام وأهله، فقال تعالى فى سورة الإسراء ” وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا” وقال ابن كثير، أنه ينبه الله تعالى على نعمته وإحسانه إلى خلقه بما فرق به بين الحق والباطل ببدر.

ويُسمى الفرقان لأن الله تعالى أعلى فيه كلمة الإيمان على كلمة الباطل وأظهر دينه ونصر نبيه وحزبه، وكان نصر الله تعالى لهم بالرعب، وإن النصر بالرعب من خصائص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما فى الصحيحين من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” نصرت بالرعب مسيرة شهر” وأيضا إمداد الله تعالى لهم بالملائكة، ولقد فضل الله تعالى من شهد بدرا من الصحابة الكرام، والملائكة على غيرهم، وأن من قُتل منهم نال الفردوس الأعلى، وفى هذا تنبيه عظيم على فضل أهل بدر، فإن هذا لم يكن في بحبحة القتال، ولا في حومة الوغى، بل كان من النظارة من بعيد، وإنما أصابه سهم غرب وهو يشرب من الحوض، ومع هذا أصاب بهذا الموقف الفردوس التى هي أعلى الجنان، وأوسط الجنة.

ومنه تفجر أنهار الجنة، التي أمر الشارع أمته إذا سألوا الله الجنة أن يسألوه إياها، فإذا كان هذا حال هذا، فما ظنك بمن كان واقفا فى نحر العدو وعدوهم على ثلاثة أضعافهم عددا وعُددا، وأن أهلها مغفور لهم، ولقد أخبر رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم بأنه لولا أهل بدر لم يصلنا الإسلام، ولقضي عليه معهم، فكانت ملحمة من ملاحم التاريخ ، وحادثة فرق الله بها بين الحق والباطل، فكانت هذه الملحمة قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة، في شهر رمضان، شهر الجهاد والفتوحات، فبين الصيام والجهاد علاقة وثيقة، وصلة عميقة، فالصيام مجاهدة للنفس والشهوات والشيطان، والجهاد مغالبة لأعداء الرحمن، وعندما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه فى ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا من المهاجرين والأنصار، وكانت راية المهاجرين مع مصعب بن عمير وعلي بن أبي طالب.

وراية الأنصار مع سعد بن معاذ، ولم يكن معهم سوى سبعين بعيرا وفرسين، فكان الرجلان والثلاثة يتناوبون على ركوب البعير الواحد، بما فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن عبد الله بن مسعود قال كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير، وكان أبو لبابة وعلي زميلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فإذا كان عُقبة يعني نوبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المشى قالا، اركب يا رسول الله حتى نمشي عنك، فيقول “ما أنتما بأقوى على المشي منى، وما أنا بأغنى عن الأجر منكما” وسار النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون إلى بدر، حتى نزلوا فى أدنى ماء من بدر، فقال الحُباب يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأى والحرب والمكيدة؟ قال “بل هو الرأى والحرب والمكيدة”

فقال الحُباب يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم منزلة، ونغوّر ما وراءه من الماء ، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون، فقال صلى الله عليه وسلم “لقد أشرت بالرأى” وأخذ برأى الحباب، وفي هذا الموقف درس فى منهج الإسلام فى الشورى والرأى، فما كان أمرا لازما من الله فلا مجال للتقدم عليه أو التأخر عنه، وإنما الواجب إزاءه التنفيذ والالتزام، وأما ما كان من باب الرأي وتدبير أمور الدنيا وتقدير المصلحة فهو باب الإجتهاد بالعقل والاستشارة فى الرأي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى