مقال

الدكروري يكتب عن البخل طريق مظلم

جريدة الأضواء

بقلم / محمـــد الدكـــروري

اليوم : الأربعاء الموافق 13 مارس 2024

إن الحمد لله شارح صدور المؤمنين، فانقادوا إلى طاعته وحسن عبادته، والحمد له أن حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، يا ربنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، ونشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، وصلى اللهم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين أجمعين، أما بعد إن البخل طريق مظلم يقع فيه البخيل، فلا يسير على هدى بل يتخبط حتى يهوى في الموبقات ومهاوى الهلاك، فالبخل يؤدى بصاحبه إلى الشح، والشح أعظم من البخل، وقال عبد الله بن عمرو “الشح أشد من البخل لأن الشحيح هو الذى يشح على ما فى يد غيره حتى يأخذه ويشح بما في يده فيحبسه، والبخيل هو الذى يبخل بما في يده” وقال ابن القيم رحمه الله “والفرق بين الشح والبخل، أن الشح هو شدة الحرص على الشيء والإحفاء في طلبه والإستقصاء في تحصيله وجشع النفس عليه. 

والبخل منع إنفاقه بعد حصوله وحبه وإمساكه فهو شحيح قبل حصوله، بخيل بعد حصوله، فالبخل ثمرة الشح والشح يدعو إلى البخل والشح كامن في النفس، فمن بخل فقد أطاع شحه، ومن لم يبخل فقد عصى شحه ووقى شره، وذلك هو المفلح ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون” والشح هو المهلك للعبد بل للأمم، وأخرج أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إياكم والشح فإنما هلك من كان قبلكم بالشح أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالفجور ففجروا” ولنعلم أن البخل دركات كما أن الجود والسخاء على درجات، فقال ابن قدامة أشد درجات البخل أن يبخل الإنسان على نفسه مع الحاجة إليه، فكم ممن بخيل يمسك المال ويمرض فلا يتداوى، ويشتهي الشهوة فيمنعه منها البخل. 

فكم بين من بخل على نفسه مع الحاجة، وبين من يؤثر على نفسه مع الحاجة، فالأخلاق عطايا يضعها الله حيث شاء، وإن البخيل لا يبخل إلا على نفسه، فهو حارم لنفسه من الخيرات والمسرات، طاعة لهواه وما تمليه عليه نفسه من سوء الظن بالله تعالى، فيقول تعالى “هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا فى سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغنى وأنتم الفقراء إليه” ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من البخل وهو أكرم الخلق، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم ” اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من عذاب النار، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات” رواه البخارى ومسلم.

وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إنهم يخيروني بين أن يسألوني بالفحش أو يبخلوني ولست بباخل” رواه مسلم، حتى لقد عد النبى صلى الله عليه وسلم البخل أدوى الداء، فعن جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال صلى الله عليه وسلم ” وأي داء أدوى من البخل؟” رواه البخارى ومسلم، وكما أن البخل دركات، فهو كذلك أنواع فليس البخل محصورا على البخل بالمال بل البخل أيضا يكون بالنفس كالجبان عن أرض الوغى، حمى عن الدين ونشر للإسلام، ويكون كذلك بالبخل عن الطاعة، كالذى يبخل بالسلام فعن عبدالله بن مغفل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” وأبخل الناس من بخل بالسلام” وكذلك من يبخل بالصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم عند ورود ذكره، فعن الإمام علي رضى الله عنه قال، إن النبى صلى الله عليه وسلم قال ” البخيل من ذُكرت عنده ثم لم يصل علي صلى الله عليه وسلم” رواه الترمذي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى