مقال

الدكروري يكتب عن ترويض النفس

جريدة الأضواء

بقلم / محمـــد الدكـــروري

اليوم : الأربعاء الموافق 13 مارس 2024

الحمد لله خلق الخلق فأتقن وأحكم، وفضّل بني آدم على كثير ممن خلق وكرّم، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، يليق بجلاله الأعظم، وأشكره وأثني عليه على ما تفضل وأنعم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأعز الأكرم، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله المبعوث بالشرع المطهر والدين الأقوم، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد إنه حتى تتروض هذه النفس وحتى تصير نفسا مطمئنة، فإن النفس تارة تكون أمارة بالسوء، وتارة تكون لوامة، فهى تلوم صاحبها بعد وقوعه بالسوء، وتارة مطمئنة وهي التى تسكن إلى طاعة الله ومحبته وذكره، وكونها مطمئنة وصف مدح لها، وكونها أمارة بالسوء وصف ذم لها، وكونها لوامة ينقسم إلى المدح والذم. 

فقال الإمام ابن القيم رحمه الله “ولما كان جهاد أعداء الله في الخارج فرعا عن جهاد العبد نفسه في ذات الله كما قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “المجاهد من جاهد نفسه فى طاعة الله، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه” رواه أحمد، فكان جهاد النفس مقدما على جهاد العدو في الخارج وأصلا له، فإنه ما لم يجاهد نفسه أولا لتفعل ما أمرت به، وتترك ما نهيت عنه، لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج، فكيف يمكنه جهاد عدوه والإنتصار منه، وعدوه الذى بين جنبيه قاهر له، ومتسلط عليه، لم يجاهده ولم يحاربه في الله، بل لا يمكنه الخروج إلى عدوه حتى يجاهد نفسه على الخروج؟” والناس فى هذا على قسمين، قسم ظفرت به نفسه فملكته وأهلكته، وصار مطيعا لها، بل صار عبدا لهواه وشهواته، نعم، أيكون الإنسان عبدا لهواه، أيتخذ إلهه هواه؟ 

نعم ألا تستمع إلى قول الله تعالى كما جاء فى سورة الفرقان ” أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا” فبعض الناس قد اتخذ إلهه هواه، كل ما هوت نفسه شيئا طاوعها فأصبح كالعبد لهذا الهوى وأصبح أسيرا لنفسه ولشهواته وملذاته، فهذا يصدق عليه تصدق عليه هذه الآية، والقسم الثانى قسم ظفر بنفسه وجاهدها أشد المجاهدة، حتى قهرها فصارت مطيعة لله منقادة تعمل الأعمال الصالحة بيسر وسهولة، وجهاد النفس يكون بمحاسبتها أشد المحاسبة عما يصدر عنها من تصرفات، وقد كانت محاسبة النفس دأب الصالحين من قبلنا، فقال ميمون بن مهران”لا يكون العبد تقيا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه” ولهذا قيل “النفس كالشريك الخوان إن لم تحاسبه ذهب بمالك” وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه.

“حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله تعالى كما قال فى سورة الحاقه ” يومئذ تعرضون على الله لا تخفى منكم خافيه” وكتب عمر رضى الله عنه إلى بعض عماله “حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه فى الرخاء قبل حساب الشدة عاد أمره إلى الرضى والغبطة، ومن ألهته حياته وأشغلته، عاد أمره إلى الندامة” وقال الحسن رحمه الله “إنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة” وإن مما يعين الإنسان على محاسبة نفسه معرفته أنه كلما اجتهد فيها اليوم استراح غدا إذا صار الحساب إلى غيره، وكلما أهملها اليوم اشتد عليه الحساب غدا فيقول تعالى فى سورة الشعراء” يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى