مقال

الملمات ووقت الشدائد

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الملمات ووقت الشدائد
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، الحمد لله الذي خلق الأرض والسموات، الحمد لله الذي علم العثرات، فسترها على أهلها وأنزل الرحمات، ثم غفرها لهم ومحا السيئات، فله الحمد ملء خزائن البركات، وله الحمد ما تتابعت بالقلب النبضات، وله الحمد ما تعاقبت الخطوات، وله الحمد عدد حبات الرمال في الفلوات، وعدد ذرات الهواء في الأرض والسماوات، وعدد الحركات والسكنات، وأشهد أن لا إله إلا الله لا مفرّج للكربات إلا هو، ولا مقيل للعثرات إلا هو، ولا مدبر للملكوت إلا هو، ولا سامع للأصوات إلا هو، ما نزل غيث إلا بمداد حكمته، وما انتصر دين إلا بمداد عزته، وما اقشعرت القلوب إلا من عظمته، وما سقط حجر من جبل إلا من خشيته، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قام في خدمته.

وقضى نحبه في الدعوة لعبادته، وأقام اعوجاج الخلق بشريعته، وعاش للتوحيد ففاز بخلته، وصبر على دعوته فارتوى من نهر محبته، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه واستن بسنته وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، ما أجمل أن يصطفى الإنسان من إخوانه من يكون له أخا يستند إليه في الملمات ويعينه وقت الشدائد ويبوح له بما في نفسه، فيسقط معه مؤونة التكلف من جراء تلك المسافة القصيرة التي تقرب قلوبهم إلى بعضها، والإنسان بحاجة ماسة إلى هؤلاء، فقد أثبتت بعض الدراسات أن الذين يفقدون شخصا يثقون به وقريبا منهم لهم أشد عرضة للاكتئاب، بل وإن بعض صور الاضطراب العقلى تنشأ من مواجهة الإنسان لمشاق وصعوبات كبرى دون من يسانده، لذلك إن وجد الإنسان ذلك الأخ الحميم، فليحسن معاشرته.

وليؤد حقوقه، وليصفح عن زلاته، وإن من الأقوال الرمزية، وهو أن كل شخص يولد وعلى جبهته علامة تقول من فضلك اجعلني أشعر أنني مهم، فكلما وقع اتصال بين الناس تناقلوا بينهم رسالة صامتة تقول فضلا اعترف بكياني، لا تمر بي غير آبه، فالإنسان مهما كان عبقريا وفذا وناجحا، فإنه يظل متلهفا لمعرفة انطباع الناس عنه، وكثيرا ما يؤدى التشجيع إلى تفجير أفضل ما لدى الأمة من طاقات كامنة، وكان ذلك فعل النبى صلى الله عليه وسلم حيث وصف أصحابه بصفات تميزهم عن غيرهم، فإن اكتشاف الميزات التى يمتلكها الناس بحاجة إلى نوع من الفراسة والإبداع، وقبل ذلك الاهتمام، وتأهيل النفس للعمل ضمن فريق، فإن الواقع يشهد أننا نعيش في عالم يزداد فيه الاعتماد على المجموعات في إنجاز الأعمال.

وذلك لتعقد المهمات في العمل الواحد، وحتى يرتفع مستوى الأداء والإنتاجية فى العمل، فإن كثير من الناس يعيش حالة من النمو الزائد في الفردية، فتجده ينجح في أعمال كثيرة تتطلب عملا فرديا، فإذا ما عملوا في لجنة أو مجموعة فإنهم يسجلون نتائج سلبية وغير مشجعة، ومردود ذلك على نهضة الأمة في منتهى السوء، وحتى يتأهل الإنسان للعمل ضمن فريق فإنه بحاجة لأن يتدرب على عدة أمور منها هو حسن الاستماع، والإصغاء لوجهة نظر الآخرين، وفهم كلا من طبيعة العمل ودوره في ذلك العمل، وفهم الخلفية النفسية والثقافية لأفراد المجموعة التي يتعاون معها، والحرص على استشارة أفراد المجموعة فى كل جزئية فى العمل المشترك تحتاج إلى قرار، والاعتراف بالخطأ ومحاولة التعلم منه.

وعدم الإقدام على أى تصرف يجعل زملاءه يسيئون فهمه، وعدم إفشاء أسرار العمل أو التحدث عن أشياء ليست من اختصاصه، والمبادرة لتصحيح أى خطأ يصدر من أى فرد من أفراد الفريق وفق آداب النصيحة، وتحمل ما يحدث من تجاوزات وإساءات من الأفراد واحتساب ذلك عند الله تعالى، وإذا تعذر عليه الاستمرار ضمن الفريق فعليه أن يفارقهم بإحسان وأن يستر الزلات، وهكذا فإن تطوير الذات وتنمية الشخصية هى هدف كل شخص يطمح إلى أن يكون الأفضل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى