مقال

مدعى النبوة عبهلة بن كعب ” الجزء الثانى “

مدعى النبوة عبهلة بن كعب ” الجزء الثانى ”
إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثانى مع مدعى النبوة عبهلة بن كعب، وقد توقفنا عندما حكم الفرس اليمن فهم ساعدوا ذو يزن، على طرد الأحباش الأكسوميين وإخضاع القبائل المسيحية في اليمن التي ثارت على حمير بدايات القرن السادس الميلادى ثم استفرد أحد الساتراب الفرس بالحكم قرابة عام خمسمائة وثمانى وتسعون ميلادية وبقيت الأمور على هذا النحو حتى دخول أحد هولاء إلى الإسلام ويدعى باذان بن ساسان وخلع ولايته للفرس وتبع النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وكان من الأبناء، والأبناء هم فرس اختلطوا بأهل اليمن وكان الأسود العنسي لا يحبهم وعلاقته بهم سيئة على ماروى الرواة كونه رأى أنهم دخلاء على اليمن وكانت تلك علاقة ومنظور العنسي لولاة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فهو إعتبرهم دخلاء على اليمن كالفرس إذ قال لعمال النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم” أيها المتوردون علينا، أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا، وأمسكوا ماجمعتم فنحن أولى به وهو يقصد الزكاة، وأنتم على ما أنتم عليه”

وعين الأسود أمراء يمنيين هم، معاوية ابن قيس، ويزيد بن محرم بن حصن الحارثي، ويزيد بن الأفكل الأزدى وقيس بن عبد يغوث وعلى الأبناء، فيروز الديلمي وهو أحد موالى حمير من الفرس وأصوله تعود إلى ديلم، وتشير الروايات أنه كان مشعوذا يستعمل السحر لإقناع أتباعه ويغطي وجهه بخمار فلا يرى منه شيئا وكان له شيطان يأتيه بالإخبار يسمى بالملك إلا أن مصادر أخرى تشير إلى إدعاءه نبوة من ذى السماء أى بمعنى ذو سماوى وهو الإله اليمني القديم وأعاد اسم رحمن الذى كان يزين أسماء ملوك اليمن القديم وهو للصواب أقرب إذ يظهر من سلوك العنسي تعصبا لليمن وكراهية لكل ماهو قادم من خارجها إضافة إلى ظهور حركات مثل حركة مسيلمة بن حبيب وطليحة بن خويلد الأسدى فكان مسيلمة نبي ربيعة وطليحة نبي مضر والعنسي نبي اليمن فكلهم فهم النبوة ملكا وسلطانا واستفحل أمر العنسى وعظم شأنه بعد أن قتل باذان بن ساسان وطرد معاذ بن جبل وأبو موسى الأشعرى الذي كان متواجدا في مأرب.

وسيطر على نجران وأصبح يهدد الدولة الإسلامية الناشئة، فكتب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كتابا إلى المسلمين في اليمن يأمرهم بقتال العنسى، وتظاهر فيروز بالولاء للأسود العنسى، وعمال وغيرهم عنده فى مناصب الدولة وأرسل إليه عامر بن شهر أمير همدان، وذى ظليم، وذى كلاع وغيرهم من أمراء اليمن يشاورونه قتال العنسي فطلب منهم فيروز الانتظار، وكان العنسي متزوجا، من زوجة باذان الفارسي إزاد، والظاهر أنه أخذها كراهية وسبيا وقد شاورها فيروز في أمر العنسي فوافقت وأتفقوا على حيلة لدخول قصره، فقامت آزاد، الفارسية بسقي العنسي بالخمر حتى سكر ونام، فأنتهز فيروز الفرصة ودخل غرفة العنسي وآزاد واقفة بانتظاره فطعن فيروز الأسود وهو نائم فسمع الحراس صراخه فسألوا عما يحدث فأجابتهم آزاد “النبي يوحى إليه” فمات العنسى وأذن المسلمون في صنعاء لصلاة الفجر وأعلنوا الخبر، وقد روى أن النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال”قتل العنسي البارحة قتله رجل مبارك من أهل بيت مباركين”

وقيل ومن؟ قال” فيروز، فيروز ” ويبدو أن الوجود الإسلامى وجمع الزكاة واجها معارضة من قِبل بعض زعماء القبائل، وأشارت الروايات إلى وجود تحرك معارض في منطقة حمير، وأن معاذ بن جبل رضى الله عنه قاتلهم وانتصر عليهم، وفي الوقت الذي كان فيه العمال المسلمون ينظمون شئون ولاياتهم ويجمعون الصدقات، جاءتهم كتب الأسود العنسي ينذرهم فيها أن يردوا ما بأيديهم فهو أولى به فقال لهم”أيها المتوردون علينا أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا ووفروا ما جمعتم فنحن أولى به، وأنتم ما أنتم عليه” وأعلن حركته الانفصالية، وكانت تلك أول ظاهرة لفتنته، ومعنى هذا أن الحركات الانفصالية انطلقت من بلاد اليمن وأن خروج الأسود العنسي يمثل الشرارة الأولى لتلك الحركات، وأنه كانت تتضمن محتويات كتب الأسود العنسي إلى المسلمين اتجاهين، فالإتجاه الأول هو اتجاه سياسى إقليمي حيث يقول “أيها المتوردون علينا” فعد عمال النبى صلى الله عليه وسلم دخلاء على اليمن مغتصبين لأرضهم، وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه.

عامل النبى صلى الله عليه وسلم على اليمن وقد نفذ سياسة تخدم السلطة المركزية التي كان النبى صلى الله عليه وسلم قد حدد قواعدها في المدينة، ويبدو أن هذه السياسة كانت تتعارض مع النزعات الاستقلالية التي تتحكم بأهل اليمن، وأما الإتجاه الثانى فهو إتجاه اقتصادى حيث يقول أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا، ذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم حدد السياسة الاقتصادية الإسلامية العامة في اليمن من خلال المباحثات التي أجراها مع رسل ملوك حمير، إذ على المسلمين أن يؤتوا الزكاة، ويعطوا خمس الله من المغانم، وسهم نبيه وصفيه، وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار عشر ما سقت العين وما سقت السماء، وكل ما سقي بالغرب، نصف العشر، وفى الأربعين من الإبل ابنة لبون، وفى ثلاثين من الإبل ابن لبون ذكر، وفى كل خمس من الإبل شاة، وفي كل عشر من الإبل شاتان، وفى كل أربعين من البقر بقرة، وفى كل ثلاثين من البقر تبيع جذع أو جذعة، وفى كل أربعين من الغنم سائحة وحدها شاة.

وإنها فريضة الله التي فرضها على المؤمنين في الصدقة، ويبدو أن هذه السياسة الاقتصادية ضايقت بعض الفئات اليمنية وبخاصة الأعراب الذين شعروا بعدم قدرتهم على تحملها لذلك تكتلوا وراء الأسود العنسى، وكان الأسود العنسي كاهنا، مشعوذا، قوى الشخصية، يقيم في جنوب اليمن في كهف خبّان من بلاد مذحج، ويري الناس الأعاجيب بفنون من الحيل، ويستهوى الناس بعباراته، فتنبأ ولقب نفسه “رحمان اليمامة” وكان يزعم أن سحيقا وشقيقا ملكين يأتيانه بالوحى، ولم يُنكر نبوة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وقد حظيت حركته بتأييد واسع خاصة أنها نحت اتجاها قوميا بتصديها للنفوذ الفارسى وللمسلمين الذين ليسوا من أصول يمنية وكان ذلك بعد انتشار الإسلام في ربوع اليمن وقد استمدت قوتها من الحلف القديم بين مذحج وبعض قبائل خولان والأزد، وانضم إليه بعض المقاتلين من حمير، وأيدته نجران، وقد هاجم الأسود العنسى بعد أن وثق من قوته مدينة نجران واستولى عليها وطرد منها عمرو بن حزم رضي الله عنه.

عامل المسلمين عليها، وانضم أهل نجران إليه، ثم سار إلى صنعاء واصطدم فيها بشهر بن باذان وانتصر عليه وقتله واستولى على المدينة، وفر المسلمون منها ومن بينهم الصحابى الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه، وقد أخذ الأسود العنسى يدعو إلى نفسه بعد هذه الانتصارات، وسرعان ما قوى أمره واشتد ساعده بمن التف حوله من الأتباع، وسيطر على منطقة واسعة تمتد من حضرموت جنوبا حتى حدود الطائف بما فيها قبيلة عك في تهامة غرب الحجاز، ومن الشواطئ اليمنية على البحر الأحمر غربا حتى الخليج شرقا، وكانت جميع المدن الكبرى في هذه المنطقة كعدن وصنعاء وغيرهما واقعة تحت حكمه، ثم أخذ يُعيّن الولاة ليحكموا باسمه ويُسمى قادة فرقه العسكرية، فعيّن قيس بن هبيرة المرادى قائدا لعسكره، وفيروز وداذويه الفارسيين وزيرين، وتزوَّج من امرأة شهر بن باذان، وكانت مذحج السند القَبلى الأساسى الذى اعتمد عليه وانطلق منه وبمساعدتها تمكن من إخضاع اليمن لسلطته، والتحق به عشرات البطون والوحدات القبلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى