مقال

نسائم الايمان ومع أمراض القلوب ” الجزء الخامس

نسائم الايمان ومع أمراض القلوب ” الجزء الخامس ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع أمراض القلوب، وإن النوع الثاني من الأمراض وهو مرض مؤلم له في الحال كالهم، والغم، والغيظ، وهذا المرض قد يزول بأدوية طبيعية كإزالة أسبابه، أو بالمداواة بما يضاد تلك الأسباب، وما يدفع موجبها مع قيامها، وهذا كما أن القلب قد يتألم بما يتألم به البدن، ويشقى بما يشقى به البدن، فكذلك البدن يتألم كثيرا بما يتألم به القلب، ويشقيه ما يشقيه، فأمراض القلب التي تزول بالأدوية الطبيعية من جنس أمراض البدن، وهذه قد لا توجب وحدها شقاءه، وعذابه بعد الموت، وأما أمراضه التي لا تزول إلا بالأدوية الإيمانية النبوية، فهي التي توجب له الشقاء، والعذاب الدائم إن لم يتداركها بأدويتها المضادة لها، فإذا استعمل تلك الأدوية حصل له الشفاء، وقد بيّن رحمه الله أن أمراض القلوب التي قد تزول بالأدوية الطبيعية كالغم والهم والغيظ لا توجب وحدها شقاء صاحبها، وعذابه بعد الموت، وهذا يعني أنها قد توجب له العذاب بعد الموت أى أنه قد يؤاخذ بها، وذلك كأن يغتم لفوات معصية يريد تحصيلها.

 

أو يغتاظ لنعمة أنعم الله بها على شخص، ونحو ذلك، وأما أمراض القلوب التي لا تزول إلا بالأدوية الإيمانية، وهي أمراض الشبهات، والشهوات، فقد ذكر أنها توجب لصاحبها الشقاء، والعذاب الدائم إن لم يتداركها بالأدوية، ومعنى ذلك أنه مؤاخذ بها لأنها نابعة من الهوى، وقال ابن القيم رحمه الله في كتاب روضة المحبين فأمراض القلب كلها من متابعة الهوى، ولا يؤثر في المؤاخذة بأمراض القلوب كونها قد اقترنت بها أفعال الجوارح أم لم تقترن، بل يؤاخذ العبد بها وحدها، ويؤاخذ بها، وبأفعال الجوارح إذا اقترنت بها، وإن هناك أسباب كثيرة لأمراض القلوب وفسادها من أهمها هو الجهل فهو يقود إلى الأمراض القلبية والفكرية ويهوي بصاحبة وهو لا يعلم، وكذلك الفتن وهي تدك القلوب وتعرض عليها فمن نجى منها فقد فاز، وكذلك الشهوات والمعاصي، والشبهات، والغفلة عن ذكر الله، والهوى، وأيضا الرفقة السيئة، وأكل الحرام كالربا والرشوة وغيرهما، وكذلك إطلاق البصر فيما حرم الله، والغيبة والنميمة.

 

والانشغال بالدنيا وجعلها جل همه وقصده، وإن من أمراض القلوب هو النفاق والرياء ومرض الشبهة والشك والريبة وسوء الظن والحسد والغيرة والكبر والإعجاب بالنفس واحتقار الآخرين والاستهزاء بهم والحقد والغل واليأس والهوى ومحبة غير الله والخشية والخوف من غير الله والوسواس وقسوة القلوب والتحزب لغير الحق، وأما عن أمراض القلوب هل كلها من الكبائر أم لا؟ وهو أن المحرمات القلبية نوعان، هما كفر، ومعصية، فالكفر مثل الشك، والنفاق، والشرك وتوابعها، والمعصية نوعان، كبائر، وصغائر، والكبائر، مثل الرياء، والعجب، والكبر، والفخر، والخيلاء، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله، وسوء الظن بالمسلمين، والحسد، والسخط، والشح، والحقد، والتباغض بين المسلمين، والصغائر، مثل شهوة المحرمات وتمنيها، وإن الله تعالى خلق الإنسان، وأودع في جسده الأعضاء المتباينة، لكل عضو من أعضاء البدن فعل خاص به كماله في حصول ذلك الفعل منه على وجه أكمل.

 

ومرضه أن يتعذر عليه الفعل الذي خُلق له، حتى لا يصدر منه، أو يصدر مع نوع من الاضطراب، فمرض اليد مثلا أن يتعذر عليها البطش، ومرض العين أن يتعذر عليها النظر والرؤية، ومرض اللسان أن يتعذر عليه النطق، ومرض البدن أن يتعذر عليه حركته الطبيعية، أو يضعُف عنها، ومرض القلب أن يتعذر عليه ما خُلق له من معرفة الله ومحبته، والشوق إلى لقائه، والإنابة إليه، وإيثار ذلك على كل شهوة لأن العبد إذا عرف كل شيء ولم يعرف ربه، فكأنه لم يعرف شيئا، ولو نال كل حظ من حظوظ الدنيا ولذاتها وشهواتها ولم يظفر بمحبة الله، والشوق إليه، والأنس به، فكأنه لم يظفر بنعيم ولا قرة عين، فكل من عرف الله أحبه، وأخلص العبادة له ولا بد، ولم يؤثر عليه شيئا من المحبوبات، فمن آثر عليه شيئا من المحبوبات فقلبه مريض، بل قد يمرض القلب ويشتد مرضه، ولا يعرف به صاحبه لاشتغاله وانصرافه عن معرفة صحته وأسبابها، بل قد يموت وصاحبه لا يشعر بموته، وعلامة ذلك أنه لا تؤلمه جراحات القبائح.

 

ولا يوجعه جهله بالحق وعقائده الباطلة فإن القلب الحي الصحيح الخالي من المرض والسقم يألم بورود القبيح عليه، ويألم بجهله بالحق بحسب حياته، وإن أساس صحة القلب وسلامته في إيمانه بالله ويتفرع عنه كمال محبة الله تعالى، بأن يكون حبه لله، وفي الله، وأن يكون بغضه ومعاداته لله، وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية أن من أعظم وسائل علاج القلب هو أن يمتلئ قلب الإنسان بحب الله عز وجل وإن سائل محبة الله كثيرة، ومنها قراءة القرآن وتدبره وفهم معانيه، والتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، ودوام ذكر الله على كل حال، وإيثار محابه على هوى نفسك ومحابها، ومطالعة القلب لأسماء الله وصفاته، ومشاهدتها ومعرفتها، وانكسار القلب بين يدي الله عز وجل وغيرها من الوسائل، وأيضا الإخلاص فى العمل، فأخلصوا لله عز وجل في أعمالكم، وستجدون راحة في صدوركم، ومما يعين على تحقيق هذه الأصول ليسلم القلب، وينمو مما يعرض له من ابتلاء وامتحان هو ذكر الله عز وجل فإنه يجلو صدأ القلوب، ويذهب ما ران عليها من آثام ومعاصى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى