مقال

نسائم الايمان ومع فضل العلم ” الجزء السابع ” 

نسائم الايمان ومع فضل العلم ” الجزء السابع ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السابع مع فضل العلم، وقد قال العلم ذات يوم مباهيا بنفسه أنا الأول في العالم، لا شيء قبلي ولا شيء بعدي، كل الصراعات وكل الخلافات وكل الاتفاقيات وكل المصالحات لا يمكن أن تكون إلا من أجلي، وفي سبيلي وبسببي، ولا يمكن أن تقوم دولة دون علم، ولا مجتمع دون طلاب علم، يا لسعادتي وهنائي فأنا كالهواء لا يمكن العيش بدوني، ولا وجود لي إلا في العقول المستنيرة، فأجابته الأخلاق بهدوء واتزان قائلة له على رشدك أيها العلم، إننا لا ننكر فضلك ولا نجحد مكانتك العليا التي تتمتع بها، إلا أن العلم وحده لا يمكن أن يعمر المجتمعات، فالعلم بلا أخلاق كالشجرة بلا أوراق، فأنا الأخلاق التي ينبغي أن تسكن قلب كل إنسان وعقله وتفكيره.

 

وأن تكون معه في كل خطوة من خطوات تعلمه، كي يكون علمه نافعا، فأجابها العلم مستغربا وهل يحتاج من يتعلم علوما واسعة ومتطورة إلى الأخلاق، ألا تعلمين أنّني أعالج كل الأمور في عقول الناس بالحكمة والمنطق ووفق قوانين مدروسة ومنظمة، فهذا يكفي حتى يبني الإنسان المتعلم مجتمعه، ويرقى به بعلمه الواسع، وكلما ازداد المتعلم علما كلما ارتقت مكانته وصار قدوة لمن حوله، فتبسمت الأخلاق وقالت للعلم ما رأيك بعالم وصل إلى ذروة العلوم، وأخذ من كل علم بطرف، لكنه يرفض نشر العلم ولا يريد تعليم الآخرين، هل سيرقى بمجتمعه وحده، وما رأيك بمتعلم ذي معرفة موسوعية شاملة في المواد الكيميائية وتصنيع المتفجرات.

 

ويوظف علمه لصنع مواد تبيد البشرية وتقضي على أعداد هائلة من البشر بضغطة زر، هل علمه مفيد؟ فرد العلم بحياء وخجل لقد أقنعتني بكلامك أيتها الأخلاق الفاضلة، وكما أن العين لا تعلو على الحاجب، فلا يمكن للعلم أن يعلو على الأخلاق أو أن يتجاوزها، فكلانا مهم لحياة البشر، وكلانا له دور في الحفاظ على الإنسانية، لكننا نكمل بعضنا بعضا، وبتكافلنا في كل نفس بشرية سترقى الأمم وترتقي الشعوب، ويعم الأمن والسلام في كل العالم، فقالت الأخلاق بالعلم والأخلاق يبني الناس ملكهم، وبذلك يمكن القول إن الاتحاد فيه قوة، والتفرق فيه ضعف، فكلما اتحدنا كان الإنسان بنا أقوى وعقله بنا أغنى، وبتكاملنا تتحقق الحرية لكل الشعوب، ويتخلص البشر من التبعية للآخر.

 

وتلغى فكرة الاستعباد من القوي للضعيف والتسلط من الغني على الفقير ومن المتعلم على الجاهل، فأجاب العلم صحيح، وبالعلم ستكون الأخلاق أبهى وتصدح بصوتها بقوة وجرأة، وتزداد قوة في إقناع الآخرين، ولا سيما في عصر السرعة الذي يحتاج فيه كل شيء إلى البرهان والدليل والمنطق، وإذا ما التحمت الأخلاق بالعلم ستكون أكثر إقناعا وتأثيرا، فإن الله جل وعلا خلق الخلق ليعبدوه، وأرسل الرسل وأنزل الكتب لهذه الحكمة العظيمة، لدعوة الناس إلى عبادة الله وبيانها لهم وإيضاحها لهم، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم” مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير.

 

وكانت منها طائفة أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به” رواه البخارى ومسلم، وهذا الحديث العظيم يبين لنا أقسام الناس وأنهم ثلاثة، وهم قسم تفقهوا في الدين وعلموا وعملوا، فهم مثل الأرض الطيبة التي قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، تعلموا وتفقهوا في الدين وعلموا الناس، وقسم تعلموا وتفقهوا ونقلوا العلم إلى الناس، وليس عندهم من التوسع ما عند الأولين في التعليم والتفقيه في الدين، بل يغلب عليهم الحفظ ونقل الأخبار والروايات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى