مقال

نفحات إيمانية ومع الطريق إلى السعادة ” الجزء الثانى “

نفحات إيمانية ومع الطريق إلى السعادة ” الجزء الثانى ”

إعداد/ محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثانى مع الطريق إلى السعادة، فإذا رأى الإنسان من أخيه في الله عورة، يعني معصية فلا يفضحه ولا ينشرها بين الناس، بل يسترها عليه، وينصحه ويوجهه إلى الخير، ويدعوه إلى التوبة إلى الله من ذلك، ومن فعل هذا وستر على أخيه، ستره الله في الدنيا والآخرة، لأن الجزاء من جنس العمل، أما الذين يظهرون المعاصي ولا يستحون يظهرونها بين الناس، فهؤلاء فضحوا أنفسهم، فليسوا محلا للستر، فإنه ليس محل الستر من أظهر فاحشته وأعلنها، وقال أحد السلف أدركت قوما لم يكن لهم عيوب فذكروا عيوب الناس فذكر الناس لهم عيوبا وأدركت قوما كانت لهم عيوب فكفوا عن عيوب الناس فنُسيت عيوبهم، وكذلك عدم فعل عبادة رجاء مدحهم أو خوفا من ذمهم.

 

وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لا تفعل شيئا من أنواع العبادات، والقرب لأجلهم، رجاء مدحهم، ولا خوفا من ذمهم، بل ارج الله، ولا تخفهم في الله، فيما تأتي وما تذر، بل افعل ما أمرت به، وإن كرهوه فإذا أرضيتهم بسخط الله، لم تكن موقنا لا بوعد الله ولا برزقه، فإنه إنما يحمل الإنسان على ذلك إما ميل إلى ما في أيديهم من الدنيا، فيترك القيام فيهم بأمر الله، لما يرجوه منهم، وإما ضعف تصديق بما وعد الله أهل طاعته، من النصر والتأييد والثواب في الدنيا والآخرة، فإنك إذا أرضيت الله، نصرك ورزقك وكفاك مئونتهم، فإرضاؤهم بسخطه إنما يكون خوفا منهم، ورجاء لهم، وذلك من ضعف اليقين، وإذا لم يقدر لك ما تظن أنهم يفعلوه معك، فالأمر في ذلك إلى الله.

 

لا لهم، فإنه ما شاء كان، وما لم يشاء لم يكن، وكذلك أن يحب لهم ما يحب لنفسه، فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما إني لآتي على الآية من كتاب الله، فلوددت أن الناس يعلمون أكثر مما أعلم، وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين، في أي أرض يعدل في رعيته، فأفرح به، ولعلي لا أتحاكم في قضية واحدة، وإني لأسمع أن الغيث أصاب بلدا من بلدان المسلمين، فأفرح به، ومالي به من سائمة، وكذلك العدل معهم وإن كان يبغضهم، فقد قال سبحانه وتعالى فى سورة المائدة ” ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى” وقال ابن كثير رحمه الله أي لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهم” وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال.

 

أفاء الله عز وجل خيبر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كانوا عليه، وجعلها بينه وبينهم، فبعث عبدالله بن رواحه، فخرصها عليهم، ثم قال لهم يا معشر اليهود، أنتم أبغض الخلق إليّ، قتلتم أنبياء الله عز وجل، وكذبتم على الله، وليس يحملني بُغضي إياكم، على أن أحيف عليكم، قد خرصت عشرين ألف وسق من تمر، فإن شئتم فلكم، وإن أبيتم فلي، فقالوا بهذا قامت السماوات والأرض قد أخذنا فاخرجوا عنا” رواه أحمد، وكذلك الرفق في التعامل مع الناس، حيث قال العلامة ابن القيم رحمه الله، أن مُلاطفة الخلق، وهي معاملتهم بما يحب أن يعاملوه به من اللطف، ولا يعاملهم بالعنف والشدة والغلظة، فإن ذلك ينفرهم عنه، ويغريهم به.

 

ويفسدهم عليه قلبه وحاله مع الله ووقته، فليس للقلب أنفع من معاملة الناس باللطف، فإن معاملة الناس بذلك، إما أجنبي فتكسب مودته ومحبته، وإما صاحب وحبيب فتستديم صحبته ومودته، وإما عدو ومُبغض فتطفئ بلطفك جمرته وتستكفي شره، وكذلك عدم مؤاخذة الغضبان بما يصدر منه، وقد قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله، أنه متى رأيت صاحبك قد غضب، وأخذ يتكلم بما لا يصلح، فلا ينبغي أن تعقد على ما يقوله خنصرا، ولا أن تؤاخذه به، فإن حاله حال السكران، لا يدري ما يقول، بل اصبر لفورته، ولا تعول عليها، فإن الشيطان قد غلبه، والطبع قد هاج، والعقل قد استتر، ومتى أخذت في نفسك عليه، أو أجبته بمقتضى فعله كنت كعاقل واجه مجنونا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى